الصحافة اليوم: 22-2-2025 - عرب بريس

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصحافة اليوم: 22-2-2025 - عرب بريس, اليوم السبت 22 فبراير 2025 05:55 صباحاً

تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت  22-2-2025 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.

الاخبار:

صحيفة الاخبارأن يزعل منك السيّد
أرسمه على شكل واحد منا. يعيش مثلنا. له طقوسه وله أوقاته الخاصة. وكل ما يميّزه ليس سوى التعب والصبر. كان محجوباً عن الناس. لكن يومياته ليست غريبة عن يومياتنا. في طريقه إلى مكتب أو مقر أو اجتماع، كان يسترق النظر من نافذة السيارة. في إحدى المرات، خالف التعليمات، فطلب من المرافقين تخفيف السرعة وفتح نافذته ولو قليلاً. رأى أحد المارة من الأصدقاء القدامى. كانت برهة واحدة، ثار الناس في الشارع بعدما لمحوا السيّد يلوّح لأحدهم، فيما تشقّ السيارة طريقها في الأزقة.

ضحك كثيراً لأنه فاز بلحظة لن تتكرر. وضحك أكثر عندما شاهد عبوس من معه، وكيف تمكّن التوتر منهم. «عقابه» على ما فعل كان في أن يستقلّ في المرة المقبلة سيارة يلفّها السواد، لا يراه أحد ولا يرى أحداً. والعتمة الكاملة ساعدته مراراً على أن يغفو قليلاً قبل الوصول إلى مقصده. ففي أغلب الأحيان، كان عليه الانتظار. شوارع تعجّ بالسيارات، وناس يقفزون بينها بعدما لفظتهم أرصفة شغلها فاسدون. يراقب بصمت، ويسجّل في ذاكرته الملاحظات.

وما يفرحه، بخلاف كثيرين، أنه لم يكن عنده من يفتح له الطريق، لا شبان يطلّون من النوافذ صارخين وشاهرين أسلحتهم، ولا أبواق تعلو معلنة مرور الزعيم. كان عليه أن ينتظر وسط الزحام حتى تنزل السيارة في مرْأب، حيث يضطر إلى الانتظار قليلاً قبل أن يركب سيارة أخرى تأخذه في رحلة ثانية تنتهي في مرْأب آخر، لينتظر مرة جديدة، حيث يفترض ألا يراه أحد يُسرع نحو مصعد يقلّه إلى طابق مرتفع فوق الأرض، وكلما كان مرتفعاً أكثر، كان الخيار أنسب.

الرجل الذي يشبهنا في كل الأشياء، كانت لديه مشكلة خاصة اسمها الطقس. الشتاء والربيع والصيف والخريف، كلها فصول تجعله في حالة يقظة دائمة. عندما خلقه الله، زرع فيه حساسية في القصبة الهوائية. ولمن لا يعرفه عن حق، فهو مؤمن بقدر الله إلى أكثر مما يتخيّل أحد. ولأنه كذلك، كان يعتقد بأن الله يختبره لأن الحساسية لا تثقل حركته ولا تلزمه الفراش، ومقدور عليها. لكن المشكلة، أنها تنال من صوته… وهو يعرف أن صوته هو صلة الوصل الفعلية بينه وبين الناس!
كان رجلاً يشبهنا في كثير من تفاصيله اليومية. لكنّ فيه سراً يصعب تفكيك شيفرته، وقد يكون على أهل العرفان محاولة معرفة البذرة التي وضعها الله فيه، ليكون على ما هو عليه، حياً وشهيداً.

لكنني أشعر بضيق شديد. أنا واحد من كثيرين ممن أتيح لهم التفاعل مع الرجل عن قرب، وعلى مدى عقود. لم أعرف منه إلا الود.. لكن ما أعرفه، وما بقي يتعبني طوال الوقت، أنني أزعجته مرات كثيرة، ما يسمح لي أن أكتب: أن يزعل منك السيد!

عام 1992، بعد انتخابه أميناً عاماً للحزب، كنت قد انتقلت إلى العمل في جريدة «السفير». لم يكن صعباً إقناعه بإجراء مقابلة مع الجريدة التي كان قارئاً يومياً لها، ويحفظ بعض ما كتب صاحبها الراحل طلال سلمان. لكنه قال لي: «اسمع، ليست لديّ تجربة في المقابلات الصحافية. أنا أتحدث على طبيعتي، وما أريده هو أن تحذف ما يمكن فهمه بطريقة خاطئة، لأنني لا أريد السجال مع أحد. وكل ما أرغب به هو إغضاب العدو فقط». مرّت الأمور على خير. بعد فترة، طلبنا مقابلة ثانية، وكان قد مرّ وقت على توليه مهامه.

في اللقاء الذي يسبق الحوار ويليه حوار عام، أظهر السيد تكيّفه مع منصبه، وكان يحسن إدارة المشهد لجهة القول والتعبير، وهو ما لفت الحاضرين. فقلت للأستاذ طلال إنها قد تكون مفيدة الإشارة إلى ما لفتك من تطور في عرض أفكاره وطريقة حديثه. لكن صياغة الصورة في مقدّمة المقابلة بدت نافرة بعض الشيء. يومها، كلّف أحد الأصدقاء بالسؤال عن سبب الإشارة إلى هذا الأمر. وبقي الأمر على حاله إلى أن اجتمعنا مرة مع صحافي أجنبي، فبادرني قبل الدخول إلى الغرفة بالقول: هل تنوي تقييمي بعد هذه المقابلة أيضاً؟

لم أنتبه إلى الأمر إلا بعدما فاتحت أحد مساعديه الخلّص، فقال لي إن السيد لا يهتم لمن ينال منه سياسياً أو يقارعه في مواقفه، لكنه يرفض أن يقول رأيه في كثير من الأمور، كونه لا يريد أن يظهر كمن أصاب الآخرين بضرر. وهو يتوقع من المحبين الأمر نفسه.

مرت سنوات حتى موعد مفاوضات نيسان 1996. كان نايف كريّم مسؤولاً عن الإعلام، وكان السيد انتقل إلى دمشق لإدارة المفاوضات من هناك. عندما تمّ الاتفاق، نشرت تفاصيله قبل الإعلان عنه رسمياً. مرت أيام قبل أن تصلني رسالة من الشهيد مصطفى بدر الدين، الذي كان المسؤول العسكري في المقاومة، وكعادته بوضوح وبطريقة لا مراضاة فيها، قال: «أغضبت السيد يا سيد. ها أنت مرة جديدة تنهار أمام السبق الصحافي».

بعدها، سعيت للقاء سريع معه من أجل «تصفية القلوب». تأخّر الاجتماع، وعندما التقينا، قال لي: «ما رأيك أن نعقد اتفاقاً؟ نتفق على ما يمكن نشره، وما لا يمكن نشره، فهذا يريحني، ويجعلني أكثر صراحة في الحديث». كانت تلك طريقته في ترتيب الأمر، لكنه لن يترك مجالاً لأن تشعر بأنه كلّف أحداً بالتعبير عن غضبه.

لم تكن باليد حيلة. جاءت عملية أنصارية الشهيرة، وكان هناك غموض مقصود حول ما حصل. ضجّت البلاد بأخبار وفبركات حول حقيقة ما حصل. حتى الراحل طلال سلمان، كان حذراً جداً في نشر رواية «فخ العباس» التي عرضت لما حصل، ولم ترد في الرواية تفاصيل لا عن الهدف، ولا عن طريقة معرفة المقاومة بالخطة الإسرائيلية. لكنّ النص كان حاسماً في أن المقاومة كانت في انتظار جنود العدو. في اليوم التالي، تناقل أهل المقاومة ما نُشر بسرور كبير. لكن، كان في الأمانة العامة من يرفع السماعة سائلاً: «عزيزنا، هل يمكن لصاحبنا أن يسألك: من أخبرك أنه كان ليلة الإنزال على تواصل مع مجموعات المقاومة لحظة بلحظة»!

لم يكن ممكناً أن تجيب أحداً عن مصدر من هذا النوع. ورغم أن المقاومة فتحت تحقيقاً لمعرفة من سرّب الخبر، إلا أن السيد نفسه نام على «زعله»، إلى أن التقينا بعد استشهاد هادي، فقال لي: «تعرف، الإخوان يرتاحون لك، لكنهم صاروا يتجنبون اللقاءات المفتوحة معك، فهم يعتقدون بأنه لا مجال لإقناعك بأن تجعل الصحافي بداخلك ينام قليلاً؟».
جاء حدث كبير نهاية تسعينيات القرن الماضي، عندما تسلّم الشهيد عماد مغنية المسؤولية الرسمية للعمل الجهادي في حزب الله. و«الحاج»، كما يُطلق عليه، كان شريكاً كاملاً لـ«السيد». في الحزب، لم يكن الشهيد مغنية معروفاً للعموم، لكن الجميع كان يعرف أن في الحزب شخصاً يلف السيد حسن بطوق خاص من الطمأنينة. بعد التحرير في عام 2000، انتقل السيد إلى مرحلة جديدة في عهده القيادي.

كان رجلاً يشبهنا في كثير من تفاصيله اليومية لكنّ فيه سراً يصعب تفكيك شيفرته وقد يكون على أهل العرفان محاولة معرفة البذرة التي وضعها الله فيه

أخذت الأمور بعداً مختلفاً في العلاقة معه. زوار من ألوان عقائدية وسياسية وجنسيات مختلفة، لكنهم لا يظهرون في الصور العلنية، واجتماعات تمتد لساعات تلامس الفجر مع ضيوف يرغبون بأن يفهموا معنى أن إسرائيل قابلة للزوال، لكنّ الكلام عنهم محظور في الإعلام. وكان عليّ اختبار الصمت القاسي الذي كاد أن يفتك بالصحافي في داخلي. وهو أمر كان في المقاومة من يرتاح له، لكنني، مرة جديدة، أجد نفسي في مواجهة السيد نفسه.

بعد عملية الأسر الشهيرة في مزارع شبعا خريف عام 2000، واعتقال الضابط الإسرائيلي الحنان تننباوم، قصدت السيد حاملاً ورقة كتبت عليها تصوراً لتوثيق ما جرى، وما سيجري لاحقاً من أحداث متصلة بالملف. قال لي إنه موافق على السير بالخطة. لكنه يريد مشاورة «الحاج» في الموضوع. يومها، أخفيت عنه أنني أرسلت إلى «الحاج» رغبتي بالأمر، وقلت إنني سأطلب الأمر رسمياً من السيد.

قضى الاتفاق يومها بأن أجمع كل التفاصيل المتعلقة بعملية الأسر، ومن مصادرها كافة، ويوثّق شباب المقاومة ما أحتاج إليه من معطيات ومواد تخص الأسرى الأربعة، شرط أن يبقى الأمر سرياً حتى حصول عملية التبادل. لكنّ السيد الذي ترك التفاصيل إلى المعنيين في الجسم الجهادي، كان قد احتاط فطلب منهم إبلاغي شرطاً إضافياً: ستبقى كل المواد لدينا حتى حصول التبادل، وفي حال نشرت أنت معلومات تخلّ بالاتفاق، نكون في حلّ منه. طبعاً، لم يكن أمامي من خيار سوى الالتزام بالاتفاق. وعندما حصل التبادل، حصلت أمور كثيرة تخص المشروع، بينها لقاء مع تننباوم قبل إطلاق سراحه.

وفي وقت لاحق، قال لي السيد: «هذه المرة، عرفنا نحن كيف نقيّد الصحافي الساكن داخلك».

لا أعرف لماذا شعرت بالاستفزاز، علماً أن كل من عرف السيد يعلم أنه ليس في موقع من يريد تأديب أحد. لكنني خفت هذه المرة على الصحافي بداخلي. وعندما تتالت الأحداث، لم يكن بوسعي مغالبة نفسي.

ثمة أمور كثيرة حصلت خلال 20 عاماً بعد تبادل الأسرى. بعضها سيُكتب يوماً ما، وفيها أيضاً من الصراع القوي داخلي، خصوصاً ما يتعلق بالعلاقة مع الشهيد عماد مغنية الذي كان يحب أن يقول: «إبراهيم لديه عادة، وهو يريد كل فترة تذكيرنا بأنه ليس عضواً في الحزب»، وكان يقول: «اختلف معنا جميعاً، لكن كيف لك أن تتحمل زعل السيد؟».

تغيّرت الأمور كثيراً مع الوقت. وأخذت العلاقة مع السيد شكلاً مختلفاً أيضاً. لكن «العادة» تحركت من جديد. وكانت الحادثة الأولى الأكثر صخباً، عندما وقّعنا في «الأخبار» اتفاقاً مع منظمة «ويكيليكس» لنشر الوثائق الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية. يومها حاول الشهيد مصطفى بدر الدين الحصول على نسخة من الوثائق، لكنني اعتذرت منه فحاول عبر طرقه الخاصة الحصول على ما يريد. أما السيد الذي حدّثته عن الملف، وقلت له إن لحرب تموز حصة في هذا العمل، وكيف أن جوليان أسانج ينظر إليه بطريقة خاصة، فقد سألني عن أبرز ما يوجد من مواد. وعندما وصل الملف إلى الوثائق التي تخص الرئيس نبيه بري وفريقه السياسي، جاءني من يتمنى عليّ عدم نشرها.

لم يكن الأمر ممكناً، فلا معنى لتمييز فريق عن فريق، بمعزل عن الخداع الكبير الذي تبيّن أن الأميركيين يقومون به في معرض تقييمهم للمقابلات التي يجريها فريق السفارة مع السياسيين، ليس في لبنان فقط، بل في كل العالم. وعندما استنفر الرئيس بري محمّلاً الحزب المسؤولية، منطلقاً من «إبراهيم عند السيد»، خرج السيد حسن للمرة الأولى، ليقول في خطاب علني، إن لا علاقة لحزب الله بجريدة «الأخبار»، مطلقاً موقفاً تسبب بكثير من القلق لعاملين في المؤسسة، ولآخرين من الأصدقاء. فهو لم يكن يقبل أن يُستفز في أمر يهدد علاقته بالرئيس بري أو العلاقة بين حزب الله وحركة أمل. يومها، قال بلغة واضحة: «مستعد لتحمل كل النقد، ومستعد لتجاهل كل ما يصلني من مطالبات لبنانية وعربية وإسلامية حول ما تنشره «الأخبار»، وأنا لست مسؤولاً عن ما تقوم به. ولكنني لا أتحمل، إن كنت تقصد أو لا تقصد، أن تتسبب بمشكلة من هذا النوع، ومع هذا الحليف بالذات».

مرّ وقت طويل نسبياً قبل أن تُرتب العلاقة من جديد، لكن فكرة «أن يزعل منك السيد» تظل حاضرة طوال الوقت. لم تكن ثقتي بنوع العلاقة بيننا قد اهتزت على الإطلاق، ولم يكن هو في وارد وضع شروط على علاقتنا، كما لم أكن أنا في وارد التخلي عن هوامشي.

تكرّر الأمر مع بداية الأزمة السورية، لكنه أخذ شكلاً مختلفاً، ليس لأن السيد قام بشيء مختلف، بل لكون الحدث نفسه سيطر على كل العلاقة بين الجريدة والحزب والمحور عموماً، لكن الدفاع عن الهامش ليس معركة قاسية مع شخص مثل السيد حسن، لأن ما لا يعرفه الناس عن الرجل، أنه الأكثر ديمقراطية في كل حزب الله، وأنه الأكثر إدراكاً لأهمية المعرفة والإعلام في كل محور المقاومة، وأنه الأكثر رغبة في الحوار حول كل ما يوصف بأنه قضية شائكة، راهنة أو تتصل بتاريخ المقاومة أو تاريخ الحركات الإسلامية…

بعدها حصلت أمور يمكن تصنيفها في هذه الخانة، لكن القصة لامست الاعتبار الشخصي، عندما نجح الأميركيون في انتزاع موافقة رسمية لبنانية على إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري من سجن المحكمة العسكرية. يومها، لم أتمالك نفسي وأنا أحمّل المقاومة المسؤولية عن ترك الأمر يحصل. لم أقبل فكرة التبرير بأن في الدولة اللبنانية من هو خاضع للأميركيين، وكنت أعتقد بأن على السيد نفسه أن يمنع الأمر بأي ثمن.

في ذلك اليوم الذي كتبت فيه مقطعاً أحمّل فيه المقاومة المسؤولية، وأشير بالاسم إلى السيد حسن، جاءني صديق يلومني على ما فعلت. دافعت عن نفسي أمامه، لكنه قال لي: أنت العليم بحزب الله وليس أنا، وتقديري، أنك تتسبب بإساءة إلى الرجل!
ثلاثة أيام فقط، قبل أن تصلني رسالة مكتوبة من السيد، يصارحني فيها بأنني تسببت بإساءة إلى المقاومة وليس إليه، وأنه لم يكن يتوقع أن يصدر عني، أنا تحديداً، هذا الكلام. سألت عن إمكانية محادثته بالأمر، فبدا لي أن الوضع ليس كما أظن، فحمّلت الرسول نصاً، دافعت فيه عن موقفي.

لكنّ السيد الذي سمع الكثير من التعليقات، وجد نفسه مضطراً لأن يخرج إلى العلن في خطاب يعبّر فيه عن غضبه من كل هذه التعليقات. كان السيد يتحدث عن أمور كثيرة، لكنني تصرّفت على أنه يخاطبني أنا وحدي، خصوصاً أنه قال في الخطاب بعض ما قاله في رسالته إليّ. فقررت من جانبي، أن أمارس الاحتجاج، بأن كتبت له مجدداً رسالة قرأها الصديق المشترك فعلّق: رسالتك قاسية، ولكنني سأنقلها كما هي!

لم أنتظر يومها تعليقاً، لكنّ السيد، بادر إلى إبلاغ القيادات المعنية، بأن هناك «زعلاً بيني وبين إبراهيم، ولا دخل لحزب الله في الأمر، وممنوع أن يتصرف أي مسؤول في الحزب مع إبراهيم أو مع «الأخبار» بطريقة مختلفة».
كانت تلك الحادثة هي الأقسى في تاريخ العلاقة. وحده انفجار مرفأ بيروت أخافني كحادث يمكن أن يقود البلاد إلى حيث يريد العدو. كانت رسالة قصيرة جداً تلك التي أرسلتها إلى السيد على عجل. ولم تمر ساعات، حتى طويت الصفحة. لكنني، كنت أحاول أن أفتح معه الحديث من أجل تصفية الأمر ولو لمرة أخيرة ونهائية. وفي يوم، كنا اتفقنا على لقاء، لكنّ رسوله زارني قائلاً: الرجل يهديك السلام، ويقول لك: سلامتها ناديا (ابنتي الصغيرة)، بعد أن تستعيد عافيتها نلتقي…

القصة أن ناديا أصيبت بفيروس كورونا، والسيد كان معزولاً بصورة تامة، وبعد مرور أشهر، عدنا والتقينا، وتحدّثنا عن أمور كثيرة ولم يتطرق إلى الأمر أبداً. فقلت له: تعرف يا سيد، لم أكن أعتقد بأنه يصعب عليّ أن أفهم معنى أن تكون زعلاناً مني. كان مِن حولي من يعرف بالأمر، وكنت عندما أعود إلى المنزل، أجد من ينتظرني متبرّماً: مبسوط، إنو السيد بعدو زعلان؟
هي مسألة شخصية جداً. لا أعرف لماذا أكتب، ولمن أكتب، لكنني بعد استشهاد السيد، فهمت للمرة الأولى معنى «أن يزعل منك السيد؟».

عن أشرف الناس وأطهرهم

1- النبوءة

حفلت سُفرة العشاء التي نُصبت في قاعة مجاورة لصالون الطابق الثالث في قصر عين التينة، بما لذّ وطاب. وأخذ الرئيس نبيه برّي، على عادته، يمازح ضيوفه، فيتلطّف في مزاحه حيناً ويغلظ أحياناً. وكان على السيّد إبراهيم أمين السيّد، في تلك الليلة الثامنة والعشرين من شهر نيسان عام ألفين، أن يتحمّل النصيب الأوفر من مزاح «دولة الرئيس».

فبرّي لا يمكنه أن يتناسى رجلاً كان من أوائل من شقّوا عصا الطاعة عليه. والتفت برّي نحو ضيفه المبجّل على مائدة العشاء، فرأى السيّد حسن نصر الله يأكل البرغل ولا يلتفت إلى اللحم في طبق «الفراكة».

فبادر ضاحكاً بأخذ قطعة كبيرة من اللحم النيء من صحنه، ووضعها في صحن جليسه. وفوجئ السيّد نصر الله بهذا التصرف، وبدت على وجهه مسحة من الحياء. وقال لمضيِّفه بأدب: إنه لا يأكل الفراكة مطلقاً.

وتعجّب برّي، فكيف لجنوبيّ أن يُعرض عن أشهى أكلة في جنوب لبنان؟ وأجابه نصر الله مبتسماً: إن والدته كانت دوماً تتمنى عليه أكل الفراكة التي تصنعها له، وكان يعتذر لها في كل مرة. ولم يستسلم الرئيس برّي لهذا الجواب، فطفق يعدّد للسيّد محاسن «اللحمة المدقوقة»، وكيف أنها تصبح لذيذة حين يضاف إليها الدهن والكمّون والنعناع والبصل والحبق والفلفل والمردكوش والبرغل وزيت الزيتون… وما يزال برّي يغري صاحبه الجليل بتذوق الفراكة حتى سلّم نصر الله بأكلها، ولكن على طريقته التي يغلّبُ فيها البرغل على اللحم، ويضيف إليه المردكوش، ليضمن أن لا يؤثر اللحم النيء سلباً على معدته.

ثمّ إنّ السيد أراد أن يُميل دفة الحديث مع مضيّفه نحو الجدّ. فسأله: «كيف تقرأ يا دولة الرئيس تصريحات إيهود باراك الراغبة في الانسحاب من جنوب لبنان؟». لمعت عندئذ عينا برّي بوميض يمتزج فيه فرح وحذر.

ثمّ أجاب بنبرته القوية المجلجلة: «هيدا يعني أنّ إسرائيل انهزمت. لكن نحنا ما فينا نفرح كثير بهزيمتها». سأله نصر الله: «ليش؟». فجاوب برّي قائلاً: «هزيمة إسرائيل مش هزيمة لها لوحدها. هذي هزيمة لمشروع كامل. والمشروع الإسرائيلي بمنطقتنا مشتركة فيه أطراف كثيرة: دول غربية، وحكام عرب، وحتى كمان قسم من اللبنانيين».

أومأ السيّد نصر الله برأسه موافقاً. فأكمل برّي رأيه قائلاً: «هزيمة إسرائيل في الجنوب قصّة كبيرة! كبيرة لدرجة ما فيهم حتى بعض العرب والمسلمين واللبنانيين يتحملوها». سكت برّي هنيهة، ثم أضاف قائلاً، وكأنه يتنبّأ: «النصر، يا سيّد حسن، رح يجلب لك الحسد. والحسد مرض ما إلو شفاء. وع الأرجح رح يتحوّل هالحسد بسرعة لبغض وكره وعداء».
لم يعلّق نصر الله يومها على نبوءة نبيه برّي(1). واكتفى بابتسامة هادئة واثقة زيّنت وجهه الجليل.

لقد نصرَ نصرُ الله فلسطين حين عزّ من ينصرها وأسند جهادها على مدى أربعين عاماً قَلَّ فيها من يكافح أو ينافح من أجل هذه القضيّة وختم حياته الشريفة باذلاً دمه على طريق القدس

-2- الفُسْطاطان
جاء أوّل تعبير عن الغيظ العربي الرسمي المكتوم من نصر المقاومة في جنوب لبنان عام 2000، من رجل لم يكن في الحسبان أن يكون أول من يعلن استياءه لتحرير أرض عربية بالكفاح المسلح.

ولقد فوجئ الناس برئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات يتطوع بالقول: «إن قرار إيهود باراك بالانسحاب من جنوب لبنان لم يكن بفعل وطأة هزيمة عسكرية إسرائيلية في الميدان، ولكنه جاء تنفيذاً متأخراً لقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القرار 425». ولم يكتفِ عرفات بهذا الزعم، بل إنه أخذ يشكو لبعض العرب والأميركيين، وحتى للإسرائيليين أنفسهم سوء ما قد حصل في الجنوب اللبناني.

ولم يتحرّج رئيس السلطة الفلسطينية من لوم وزراء في حكومة إيهود باراك على صنيعهم، و«حمق» ما أتوه، في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000 (2). ولم يكن المسكين عرفات وحده الذي غَصَّ بالنصر وضاق به، فقد انقبضت منه أنفُسٌ كثيرة وغمّت. ذلك لأنّ هذا التحرير، كان أول انتصار حقيقي ناجزاً لمنطق متصاعد يعلن للناس: «إنّ الدم يمكنه أن يهزم السيف. وإن الله ناصر لمن ينصره.‏ وإنّ مصير الناس بأيديهم، وأنّ أرضهم يستطيعون أن يستعيدوها بإرادتهم. وإنّ إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية، وأقوى سلاح جوّ في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت‏».

لقد باتت كلمات السيّد حسن نصر الله في ساحة بنت جبيل، في 26 أيار 2000، وكأنها الحدّ القاطع الذي يفصل في تاريخ العرب المعاصر بين منطقيْن: منطق السِّلّة ومنطق الذلّة. وبدت دعوة الرجل ذي العمامة السوداء أشبه بالمفاصلةً الكاملة بين فسطاطين: -تحدث عنهما جدّه الأعلى نبيُّ هذه الأمة «فسطاطُ إيمانٍ لا نفاقَ فيه، وفسطاطُ نفاقٍ لا إيمانَ فيه».

ولم يكن المحور الشيطاني ليَغفِل عن خطورة ما جاء به نصر الله، وما يبشّر الناس به. فسريعاً ما تعدّى منطقُه الحُسينيُّ الذي يرى بأنّ الدم قادر على مكافحة السيف ومواجهتِه، إلى فلسطين نفسها.

فاشتعلت انتفاضة الأقصى لتلهب جذوة الحماسة والنضال في شعب متأهّب للانفجار، ولتُلهِم كذلك عالَماً عربياً بَرِمَ من الخنوع ومَلَّه. وبذلك أصبح لزاماً على «الشياطين» جميعهم أن يتأهبوا، ويجمعوا شملهم، ويكيدوا كيدهم، ويناصبوا جهدهم.

وأخذ كل فريق من هؤلاء وأولئك يعجم عيدانه فلم يجدوا أشدّ من الفتنة شيئاً يُلقونه بين الناس لتفريقهم وتمزيقهم. وكذلك فُتِحت على عامّة الناس قنوات تلفزية لا تبث لهم على مدى الليل والنهار سوى النعرات والشحناء والجدل، وأُنشِئت مواقع إلكترونية لا تبذر إلا الكراهية والشقاق والبغضاء، وابتُدِعت منابر وعمائم ولِحى همّها الوحيد بث السموم والأحقاد والضغائن. ولم يكتفِ «الشياطين» بهذا الرجس، بل زادوا فألقوا بدمٍ في بيروت، في 14 شباط 2005 من أجل تذكية جمْرٍ كان شرَرُه قد أخذ يتطاير من شقوق العراق، وجعلوا يؤجّجون نيراناً كان لهبها يطلّ من حزازات الماضي القديم ومراراته.

-3- تمّوز
بدا تمّوز 2006 فرصة سانحة لأعداء الأمّة من أجل الانقضاض على المقاومة وبيئتنا، والفتك بصورتها ورموزها وفكرتها، والإجهاز على قوامها وسلاحها ومقدراتها وبنيتها. وفي تلك الحرب «برز الكفر كله للإيمان كله». ولم تُترك دناءة أو سفالة لم تقترفها «إسرائيل» ومن والاها. ولم يبقَ فجور أو جريمة همجية لم يرتكبها جيش العدوّ ومن استندوا إليه. وصار تقتيل المدنيين، وهدم البنايات على رؤوس ساكنيها، ومسح الأحياء والقرى من على وجه الأرض يجري أمام أنظار العالم كله بلا ورع ولا خجل. وكانت الغاية من كل ذلك الإرهاب الوحشي، ما أعلنته كوندليزا رايس من إنشاء للفوضى «الخلّاقة» التي تمهدّ لولادة شرق أوسط جديد.

وسيراً في ركاب المشروع الأميركي، واستثماراً للإجرام الإسرائيلي، أطلّ «أنصاف الرجال» بسحناتهم اللئيمة وألسنتهم الحِداد، وشرعوا يدينون المقاومين للاحتلال في غزة ولبنان، ويحمّلونهم جريرة «المغامرة غير المسؤولة، التي تسبّبت في الحرب»، ويهدّدونهم بأنّ «الوقت قد حان كي تتحمّل هذه العناصر المسؤولية الكاملة وحدها عن إنهاء الأزمة التي خلقتها نتيجة أفعالها غير المسؤولة». ولعلّ أقسى ما واجهه نصر الله في حرب تموز أنه بخلاف «الروم» الذين كانوا يقاتلونه بغياً وعدواناً وعُتُوّاً، فقد تواطأ عليه من أبناء جلدته، «رُومٌ» آخرون كانوا أشدّ من الأوّلين ظلماً وسفالة وصفاقة وفجوراً!

غير أنّ وعد الله، وسنّته كانا، دوماً، هما ذاتُهما: «لأغلبنّ أنا ورُسُلي. إنّ الله قويّ عزيز». وكذلك خرج نصر الله من الحرب أكثر ألَقاً، وأمضى عزماً، وأشد شكيمة، وأعلى مصداقيةً. فارتفعت صوره التي تدلّ الناس إلى طريق الحق، في كل مكان: على زجاج سيارات العائدين إلى قراهم المدمرة في الجنوب، وعلى المباني التي مزّقها العدوان، وعلى جدران بيوت الناس البسطاء الطيّبين، وفي ساحات المسجد الأقصى، والجامع الأزهر، والجامع الأموي… وبذلك أجهَضَ النصرُ الإلهيّ، في تمّوز، مشروعَ ولادة «الشرق الأوسط الجديد» قبل أن يرى المولود المشوّه النور. وطُويت صفحة «الفوضى الخلّاقة» حتى إشعار آخر. وخَرَسَ «أنصاف الرجال» إلى حين. وانكفأ سعار الفتنة الطائفية قليلاً، ولكن دون أن يخمد تماماً.

-4- سوريا
كان اندلاع الثورة في سوريا أكبر مأزق واجهه نصر الله، في حياته. فلم يكن خافياً على أحد أن الثورة ما هي إلا كرة نار تتقاذفها غرائز وأحقاد وثارات وشهوات ومطامح وأحلام…

وتتلاعب بها مخططات ومؤامرات ومكائد وغايات… وكان نصر الله يرى أنّ ما يحدث في سوريا أشبه بالفتنة التي يلتبس فيها الحق والباطل. ولقد حاول الرجل أن يدعو إلى الإصلاح ما استطاع، وسعى إلى تهدئة النفوس بما قدر عليه، وتوسّط لإخراج أناس كثر من السجون، وقضى كثيراً من وقته في المصالحة والمواءمة.

ولكنّ الفتق كان يتسع كل مرة على الرتق. ولم يكن طرفَا الأزمة السورية جادّيْن في الوصول إلى حلّ: أمّا النظام، فلم يكن في حساباته أن يتنازل للمعارضة عن شيء هو بيده، وكان يحرّكه في عناده التجبر والريبة والرهاب. وأمّا المعارضة (وهي في الحقيقة معارضات تحسبها جميعاً وميولها شتى)، فلم تكن لترضى بغير قطع رأس النظام بديلاً.

وكان يحرّكها في مطالبها المتطرفة الإغواء والتحريش والأوهام… ثم سريعاً ما دخل إلى ميادين «الثورة» وخنادقها التكفيريون بكل ما يحرّكهم من تعصب وتزمت وجهالة وطائفية وضغينة وحقد. وتعقدت المسألة السورية مع بروز هذا العامل الجديد أكثر فأكثر. لم تعد المسألة قصة شعب يريد مقداراً من الحربة والحقوق. بل صارت الأزمة صراعاً بين المحاور الدولية. وأصبح الرهان الحقيقي هو إمّا أن تُفتكَّ سوريا من محور المقاومة، ويغدو نظامها الجديد خنجراً في ظهور المقاومين، أو أن تبقى سوريا -كما هي- حليفاً وظهيراً وسنداً.

وبسبب تلك الظروف الدقيقة قال نصر الله: «إن حزبه سيخوض الحرب ضد التكفيريين إلى آخر مدى. لأنه إذا لم يبقَ له سوى أن يختار، فلن يختار جبهة تدعمها أميركا وإسرائيل، ومعهم شاقو الصدور وقاطعو الرؤوس، ونابشو القبور… ولأنه إذا سقطت سوريا في أيدي التكفيريين، وفي أيدي أميركا وإسرائيل من ورائهم. فإنّ ذلك معناه سقوط بنية المقاومة في لبنان وفلسطين أيضاً. ومن أجل ذلك أضحت الحرب في سوريا ضرورة لتحصين ظهر المقاومة. فالمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي، وظهرها ينكشف، وسندها ينكسر. وإنّ الغبي وحده من يبقى يتفرج على الموت والحصار والمؤامرة تزحف نحوه، دون أن يحرّك ساكناً».

5 – طوفان الأقصى
قد يختلف الناس في تقييم موقف السيّد نصر الله من الأزمة السورية بين منصِف ومجحِف، ولكن الصادقين وحدهم لن ينسوا للرجل الجليل أفضاله ومواقفه ومعروفه في فلسطين. ولن يَغفَلوا عمّا عاش من أجله، ومات في سبيله. لقد نصرَ نصرُ الله فلسطين حقاً حين عزّ من ينصرها. وأسند جهادها، وشارك مجاهديها، على مدى أربعين عاماً، قَلَّ فيها من يكافح أو ينافح من أجل هذه القضيّة.

ثم بعد ذلك كله، ختم الرجل حياته الشريفة باذلاً دمه الزكيّ ودماءَ أحبابه الشهداء على طريق القدس. من أجل هذا وغيره وغيره، يبقى نصر الله سيّدنا وقائدنا وقدوتنا، وأشرف الناس فينا، وأعظم من جاء في زماننا وأطهرهم. وإذا جاز لنا أن نفخر أمام أبنائنا وأحفادنا بشيء حصل في حياتنا، فسوف نقول لهم بلا تردد: «إننا نفخر لأننا عشنا في الزمن الذي وُجِد فيه السيد حسن، وتكلم خلاله السيد حسن، وحملت البندقية إلى عنان السماء يدُ السيد حسن».

الهوامش:
1- سرد الوزير علي حسن الخليل وقائع مما جرى بين الرئيس برّي والسيّد نصر الله، في ليلة 28 نيسان 2000 وغيرها، ضمن حلقات نشرت في جريدة «السفير» اللبنانية، في شهر أيلول 2011. وذلك للردّ على ما راج في وثائق «ويكيليكس» من أقوال منسوبة إلى برّي ووزرائه في حرب تموز 2006.

2- اشتكى ياسر عرفات إلى شلومو بن عامي، وزير الأمن الداخلي في حكومة إيهود باراك، من أنّ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000 كان بمنزلة «حماقة كاملة». وذكر بن عامي، في مقابلة تلفزيونية مع القناة 13 الإسرائيلية أنّ عرفات أخبره في مباحثات كامب ديفيد عام 2000، أن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان لم يكن قراراً حكيماً. كما سرد السفير الأميركي في إسرائيل مارتن إنديك في كتابه «الأبرياء في الخارج»، أنه في 27 مايو/أيار، أي في اليوم التالي للخطاب الشهير للسيد نصر الله في بنت جبيل عن بيت العنكبوت، سافر عرفات إلى مصر للتباحث مع حسني مبارك، وأن المصريين وجدوه منزعجاً جداً من تأثير انتصار حزب الله. ويقول إنديك «إن عرفات اشتكى بشدة لمبارك من أن نصر الله يصدّر أفكاره المتشددة إلى شوارع الضفة الغربية وغزة».

ونقل موقع «ماكور ريشون» عن شلومو بن عامي قوله، في عام 2005، إنه لا شك لديه في أن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ترك انطباعاً عميقاً في وعي عرفات. لقد شعر بالذل والحرج لأنه اضطر إلى المساومة على أرضه، في حين أجبر 500 مقاتل من حزب الله إسرائيل على الانسحاب من بلادهم، من دون قيود أو شروط.
وفي رأيي، إنّ انتصار حزب الله اللبناني عام 2000، ترك أثراً حقيقياً وغائراً في وعي عرفات وتفكيره. فحاول جاهداً أن يستدبر أمره، ويستدرك ما فرّط فيه. ولكنّ أوان الاستدراك كان قد فات.

* كاتب تونسي

نشيّع جسداً ونستبقي رمزاً

غداً سنشيّع السيد،
سنلقي عليه السلام الأخير،
سنحمله فوق أكفّنا وأكتافنا ورؤوسنا في الموكب الحزين.

تفيض قلوبنا وجعاً وعيوننا دمعاً وترتجّ أرواحنا بارتجافة المريد في جنازة الولي.
غداً سيُثوى كل هذا العنفوان في ثرى لبنان، في الأرض التي أحبها، نبت منها وإليها يعود مستشهداً دفاعاً عن استقلالها وسيادتها وكرامتها لتبقى محرّرة خالصة لشعبها.
طهر الثرى وطهر الجثمان يمتزجان، والأرض التي كانت مربضه ستكون غداً مرقده، ومن مرقده سيشعّ النور.

غداً نشيّع السيد في مشهد الختام الذي يؤكد غياب الرجل وهو نفسه مشهد الافتتاح الذي يؤكد حضور الرمز.
في لحظه الهول التي استشهد فيها ارتقى السيد من مكانة القائد إلى مقام الرمز، ومقام الرمز هو المقام العلي.

في حياته واستشهاده استحقّ السيد عن جدارة أن ترفعه الأمة مكاناً علياً. فالأمم لا تخطئ في اصطفاء رموزها، ومن أقدر أو أجدر بمقام الرمز من القاده الشهداء؟
لا يضاهي عمق حزننا إلا تسامي اعتزازنا بشهدائنا – رموزنا. ومن أحق أن يرفع رأسه فخراً واعتزازاً أكثر من الأمة العربية التي أنجبت من صلبها قادة عظاماً شهداء رموزاً للإنسانية والتضحية والتحرر الوطني بمكانة وقيمة سادتنا وقادتنا حسن نصرالله وهاشم صفي الدين ويحيى السنوار وإسماعيل هنية ومحمد الضيف في طليعة الآلاف من الشهداء، إنهم مناط فخرنا وعنوان كرامتنا وبرهان جدارتنا، وهم أقمار ليلنا وشموس نهارنا وحُداة ركبنا المتواصل حتى النصر.

غداً نشيّع السيد جسداً ونستبقيه رمزاً. وكما دافع السيد عنا وحفظنا وهو القائد فعلينا أن ندافع عنه ونحفظه وهو الرمز، لأن الحرب على الرمز ستكون أشرس من الحرب على الرجل.
ذلك أن السيد رمز، وككل الرموز الصادقة التي ترفعها الشعوب مقاماً علياً. هو تكثيف لهوية الأمة وعنوان لشخصيتها وسماتها، واختصار لأمانيها ومقاصدها، وتعبير عن قيمها الأخلاقية الأرقى والأنبل والأجمل، ونداء للأمة بأن تواصل السعي لاسترداد حقوقها وردع أعدائها، ونور يضيء الوجدان ويثبت اليقين ويستنهض الهمم ويشحذ العزم، ويحفظ الأمل ويبدّد ظلام اليأس. وهو سلاح ماض بيد الأمة لتواصل المقاومة حتى اكتمال النصر.

والرمز سلاح ماض في يد الأمة، وإذ يكثر المتداعون إلى نزع سلاح المقاومة فإن القيمة العظيمة للرمز أنه سلاح يستحيل نزعه مهما حاول الأعداء.
ولكل هذا سوف يتكالب عليه أعداء الأمة في حرب ضروس بلا هوادة هدفها تشويه الرمز ونزعه كسلاح من يد الشعب، وكلما التفّ المؤمنون بالرمز من حوله تكالب الأعداء عليه.

وما زال درس الزعيم الرمز جمال عبد الناصر مثلاً حاضراً، فالحرب عليه لم ينطفئ لها أوار حتى الآن طوال أكثر من نصف قرن على ارتقائه من مكانة القائد إلى مقام الرمز، ولم يزل أعداء الأمة يستهدفونه ويحاولون النيل منه، ولم يزل كارهوه يبثّون حقدهم عليه وما يرمز إليه من قيم التحرر والانعتاق من الهيمنة والعدل الاجتماعي والوحدة العربية والعزة والكرامة والسعي لاسترداد حقوق الأمة المهدورة وفي قلبها تحرير فلسطين.

كراهية الأعداء للرموز هي شهادة جدارتهم بمحبة شعبهم، صاغها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ببساطة وبلاغة:
«أعداؤه كرهوه وذي نعمة من كرهه أعداؤه صادق
في قلبه كان حاضن أمة ضمير وهمة ومبادئ

ساكنين في صوت عبد الناصر»… وفي صوت نصرالله.

ولأن السيد رمز للمقاومة بمعناها الصحيح الشامل المتكامل كنهج للتحرر والكرامة في أبعادها الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والحضارية، والآن وقد صمتت المدافع ولو إلى حين بالهدنة على جبهتي غزة والجنوب فسوف تستعر الحرب على باقي جبهات المقاومة الشاملة سياسياً وثقافياً وإعلامياً، وهنا علينا أن ننتبه أن استهداف الرمز لتشويهه هو معركة رئيسية في هذه المواجهة المستمرة بين الأمة وأعدائها، ليست حرباً على رجل بل على فكره يجسّدها الرمز، وليست حرباً لتصفية حسابات مع الماضي وإنما هي حرب لصياغة معالم المستقبل.

وكما انتصرت الأمة مع القائد وبه وانتصرت له،
ستنتصر مع الرمز وبه وستنتصر له.

سلام عليك أيها السيد قائداً ورمزاً،
سلام عليك أيها الصادق المؤتمن المحب المحبوب.
إلى اللقاء في رحاب الشهادة.
إلى اللقاء في انتصار الدم على السيف،
وانتصار الصدق على الزيف.

سلام عليك في لقاء الأحبة.

* الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

قمة الرياض تحت السقف الأميركي: كيف نُخرج المقاومة؟

القاهرة | استضافت الرياض قمّة «غير رسمية»، أمس، ضمّت زعماء دول الخليج ومصر والأردن – بغياب سلطنة عُمان -، وتناولت الوضع الفلسطيني و«طريقة التعامل» خلال الفترة المقبلة مع المقاومة، إذعاناً للمطالب الأميركية، وسط التشديد المصري – القطري – الأردني على ضرورة رفض التهجير، باعتباره «خطاً أحمر لا يمكن مناقشته أو قبول طرحه من الأساس».

وبحسب مصادر مصرية، فقد ناقش الاجتماع «التصورات المصرية حول عملية إعادة الإعمار بشكل موسّع، والتي ارتكزت على تسريع هذه العملية عبر ضخ استثمارات كبيرة، إلى جانب العمل على إدخال مزيد من المساعدات بشكل يومي، بما يضمن عودة الحياة إلى ما كانت عليه تقريباً في غضون عام واحد فقط، فضلاً عن استمرار الأعمال الإنشائية لمدة قد تصل إلى 10 سنوات شريطة استمرار وقف إطلاق النار». وبدا لافتاً في اللقاء، الاهتمام المصري بالاستماع إلى محددات التطبيع السعودي – الإسرائيلي من ولي العهد، محمد بن سلمان، مباشرة، وهو أمر ترى القاهرة أنه «سيلعب دوراً مهماً في مسار القضية الفلسطينية خلال الشهور المقبلة باعتباره ورقة ضغط هامة يجب توظيفها بما يخدم الوضع في قطاع غزة»، وفقاً للمصادر.

وبحسب مسؤول مصري تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الولايات المتحدة «تريد من مصر والأردن تقديم خطة قابلة للتنفيذ تحقق كل المطالب الإسرائيلية، وفي مقدّمتها التعامل مع مسألة سلاح المقاومة وتحويل غزة لتكون تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي، ولو بشكل غير مباشر لمنع تكرار ما حدث في طوفان الأقصى، بالإضافة إلى تغييب المقاومة بشكل كامل عن الحكم». وأضاف أن «الخطة التي تعمل عليها القاهرة في الوقت الحالي تعتمد على مراحل لتحقيق المطالب الإسرائيلية “الأمنية”، مع التشديد على أن فكرة نفي القادة الفلسطينيين خارج بلادهم أمر لا يجب أن يكون شرطاً لوقف الحرب، وضرورة أن يأتي ذلك في إطار العمل على تقديم تنازلات من مختلف الأطراف وليس المقاومة فقط». وأعرب المسؤول المصري عن اعتقاده بأن «التوافق العربي حول أساسيات الخطة التي يجري إعدادها في الوقت الحالي، سيكون مقدّمة لإمكانية إعداد تعديلات عليها، تسمح بدخولها حيّز التنفيذ بموافقة أميركية».

وكانت السعودية سعت إلى خفض سقف التوقعات بإحداث القمة أي اختراق، بتأكيدها، أول أمس، أن الاجتماع هو «لقاء أخوي غير رسمي»، وقراراته ستكون ضمن جدول أعمال «القمة العربية الطارئة» التي ستُعقد في مصر في الرابع من آذار المقبل. وفيما لم يصدر أي بيان رسمي بشأن الاجتماع، نشرت قناة «الإخبارية السعودية» الحكومية، صورة للمشاركين في قمة الرياض، من دون أن تحدد مكانها أو جدول أعمالها. وأظهرت الصورة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت، مشعل الأحمد الجابر الصباح، والملك الأردني، عبدالله الثاني، وولي عهده، حسين بن عبدالله، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى رئيس وزراء البحرين، سلمان بن حمد آل خليفة.

من جهتها، ذكرت الرئاسة المصرية أنّ السيسي غادر الرياض بعد «مشاركته في اجتماع غير رسمي حول القضية الفلسطينية». وبحسب المصادر، فإن الاجتماع عُقِد «بعد ورود إشارات إيجابية تلقّاها المسؤولون العرب، عبر مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي تحدّث عن مستقبل أفضل لأهالي غزة وليس تهجيرهم، باعتبار أن البحث عن المستقبل الأفضل هو سبب مقترح التهجير وليس العكس»، علماً أن ويتكوف زعم، في تصريحات أطلقها أولَ أمس، أن «خطة ترامب بشأن غزة ليست لتهجير الفلسطينيين»، بل إنها «تهدف إلى تغيير تفكير الجميع وفعل ما هو أفضل للشعب الفلسطيني».

ترامب يواصل «تطهير» إدارته: «الدولة العميقة» عدواً أول

لم ينتظر العهد الأميركي الجديد طويلاً حتى يشرع في تنفيذ برنامجه الداخلي، بما يحمله من مفاعيل انقلابية على سياسات الإدارة السابقة، وخصوصاً على مستوى ما يسمّيه «الإصلاحات» الإدارية والاجتماعية. وتشهد على ذلك سلسلة القرارات التنفيذية التي وقعها الجمهوري العائد إلى البيت الأبيض خلال الساعات الأولى لتنصيبه، والتي عزّرها بقرارات إضافية خلال الأيام القليلة الماضية.

ماذا في جديد «الأجندة الاجتماعية» لترامب؟
شهد الأسبوع الجاري، مع استكمال مجلس الشيوخ التعيينات في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وآخرها المصادقة على تعيين روبرت إف. كينيدي جونيور وزيراً للصحة – بعدما نجح الأخير في إيجاد تقاطعات مع الجمهوريين حول رؤيته لـ«جعل أميركا صحية من جديد» -، إصدار وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية إرشادات ترمي إلى تحديث تعريفاتها الرسمية لمصطلحات مثل الجنس والأنثى والذكر، بما ينسجم مع «السياسة الجنسانية» العامة للحكم الأميركي الجديد.

وسبق أن أقر هذا الأخير وجود «جنسين فقط» يُحددان عند الولادة، إضافة إلى أوامر تنفيذية أخرى شملت تقييد إجراءات المتحولين جنسياً بالنسبة إلى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 19 عاماً، والطلب إلى الوكالات الاتحادية حذف أي إشارة إلى «أيديولوجية النوع» في العقود، وتوصيفات الوظائف، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى وقع تصاعد تأثير التيارات الدينية المحافظة في الأجندة الاجتماعية لإدارة ترامب، ومنها نفوذ باولا وايت كاين، أحد مؤسسي ما يسمّى «كنيسة بلا جدران»، والمعروفة كواعظة ومستشارة روحية، والتي أصبحت عام 2017 أول امرأة تقدم صلاة افتتاحية في حفل تنصيب لرئيس أميركي، قبل أن تنتقل حالياً إلى ترؤس ما يُسمّى «مكتب الإيمان» في البيت الأبيض، سلّط وزير الصحّة الأميركي، المعيّن حديثاً، الضوء على الخطوط العامة لتلك السياسة، متعهداً بالعمل على ما سمّاه «إعادة الفطرة السليمة والحقيقة البيولوجية إلى الحكومة الاتحادية».

كما أكد كينيدي أنّ «سياسة الإدارة السابقة التي كانت تحاول إدخال أيديولوجية النوع الاجتماعي في كل جانب من جوانب الحياة العامة قد انتهت». وبالفعل، بدأ ينسحب هذا التوجه على أسلوب عمل سائر الوكالات الاتحادية الأميركية؛ إذ أصدر «مكتب إدارة الموظفين الأميركيين»، الأربعاء الماضي، توجيهات تدعو جميع الوكالات الفيدرالية إلى مراجعة جميع توصيفات الوظائف، ووضع أي موظف «يتضمن وصف وظيفته غرساً أو تعزيزاً لأيديولوجية النوع» في إجازة، فيما أعلنت وزارة الخارجية وقف إصدار جوازات السفر التي تحمل الجنس «إكس» للأشخاص الذين يُصنفون أنفسهم ذوي هوية جنسية «غير ثنائية»، وهي جوازات سُمح بإصدارها في عهد جو بايدن.

إقالات جماعية في الإدارة والقضاء
وفي موازاة توجّه إدارة ترامب إلى تأسيس إدارات اتحادية جديدة، على غرار «المجلس الوطني للهيمنة في مجال الطاقة» والذي أُنشئ بغية تطوير إنتاج الكهرباء، أعلن الرئيس الجمهوري نيته إغلاق إدارات أخرى، أهمها وزارة التعليم الاتحادية، والتي سبق له أن سعى إلى إلغائها خلال ولايته الأولى نزولاً عند رغبة بعض المراكز البحثية المحافظة، والمقدرة نفقاتها بنحو 251 مليار دولار، وذلك ضمن خطة الملياردير إيلون ماسك – المعين على رأس «وزارة الكفاءة الحكومية» لخفض الإنفاق العام، القابع تحت عجز قدره 1.8 تريليون دولار. ويرافق ذلك العمل على تقليص حجم الجهاز الاتحادي الأميركي، عبر أسلوب يقوم على تخيير الموظفين بين تقديم استقالاتهم طوعاً مقابل حصولهم على أجور 8 أشهر، أو مواجهة الطرد مستقبلاً.

وضمن توجه يعكس جدية إدارة ترامب في القضاء على ما وصفه الأخير بـ«الدولة العميقة»، تم عزل كبار المسؤولين في «إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية»، المعنية بالإشراف على السجلات الحكومية وترؤس المحفوظات الوطنية (وهي إدارة دائماً ما انتقدها ترامب على خلفية تعاونها مع وزارة العدل في قضية اتهامه بالاحتفاظ بوثائق سرية في منزله). كما وجّهت الإدارة الجديدة إخطارات إلى السفارات الأميركية حول العالم بالبدء في التخطيط لخفض عدد الموظفين، ومن بينهم عشرات المتعاقدين في «مكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان» في وزارة الخارجية، مع وجود احتمالات لتسريح المزيد من موظفي الوزارة المذكورة في مكاتب أخرى، وفقاً لما كشفته وكالة «رويترز».

وبالفعل، أكد المتحدث باسم مكتب إدارة الموظفين الأميركي أن نحو 75 ألف موظف اتحادي وافقوا طوعاً على برنامج وضعته إدارة ترامب لتقليص حجم القوة العاملة في الوكالات الفدرالية المدنية، والمقدر تعدادها بنحو 2.3 مليون شخص. كما أكدت مصادر نقابية وعمالية، لـ«رويترز»، بدء فصل مئات الموظفين في وكالات اتحادية عدة، كاشفة أن إجراءات الفصل الطوعي، والتي قضت بتشجيع الموظفين على الاستقالة قبل السادس من الجاري، مع حصولهم على رواتبهم حتى نهاية أيلول المقبل، لم تستثنِ مؤسسات حيوية كـ«جهاز حماية المستهلك»، ووزارات الداخلية والطاقة وشؤون قدامى المحاربين، بل وحتى «إدارة الخدمات العامة الأميركية» المولجة مهمات الإشراف على غالبية العقود الحكومية وإدارة الممتلكات الاتحادية. ولفتت المصادر نفسها إلى أن تدابير ما يوصف بـ«حملة التطهير الإداري»، طالت في معظم الأحيان موظفين لا يزالون في عامهم الأول في العمل، ويتمتعون بمستوى أقل من الأمان الوظيفي، علماً أن هؤلاء تتجاوز أعدادهم 200 ألف شخص.

17 قاضياً، من بينهم جمهوريون، أصدروا أحكاماً بوقف تنفيذ عدد من قرارات ترامب

واكتسبت خطة «الفصل الطوعي» للموظفين، والتي ترافقت مع إقالة ترامب جميع المدعين العامين المعينين من قِبل سلفه، وفقاً لتقليد قضائي معروف في الولايات المتحدة، زخماً إضافياً بعدما تراجع القاضي الفدرالي في ولاية ماساتشوستس، جورج أوتول، عن قرار أصدره الأسبوع الماضي علّق بموجبه مؤقتاً العمل بالخطة المذكورة، بناء على طعن تقدّمت به نقابة موظفي القوة العاملة المدنية، معلّلاً قراره الجديد بعدم وجود صفة قانونية للجهة المدعية. واستدعى قرار أوتول استنكار أكبر نقابة لموظفي الخدمة المدنية الفدرالية، إذ رأت أن القرار «يمثّل خطوة إلى الوراء في النضال من أجل الكرامة والعدالة لموظفي الخدمة المدنية»، فيما رحّب البيت الأبيض بما وضعه في خانة «الانتصار الأول في سلسلة طويلة من الانتصارات القانونية للرئيس».

ولم يقتصر النقد لخطط ترامب على الجهات النقابية، وجهات حقوقية ترى أن تفريغ عدد من إدارات الخدمات الأساسية الممولة من دافعي الضرائب، وخاصة في مجال الرعاية الصحية، ودعم المحاربين القدامى، والنفقات العسكرية والدفاعية، ينطوي على تغليب مصالح الشركات ورجال الأعمال المقربين من البيت الأبيض على حساب مصالح عموم الأميركيين. لا بل تعدتها إلى المعسكر الديموقراطي، حيث قال وزير العمل الأميركي السابق، روبرت رايش، لصحيفة «ذا غارديان»، إن ترامب هو «أكثر رئيس مخالف للقانون في تاريخ الولايات المتحدة»، فيما دان السيناتو الديموقراطي، تيم كين، إيغال الإدارة الجديدة في تفكيك المؤسسات الفيدرالية، وخفض ميزانياتها، لافتاً إلى وجود «قانون التمكين» الذي يحظر على الرئيس إدخال تعديلات جوهرية في ما يتعلق بمخصّصات مالية يقرّها الكونغرس.

وأعرب كين، في مقابلة مع «فوكس نيوز»، عن رفضه إغلاق وزارة التعليم، وتقليص عدد موظفي «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، مشيراً إلى أن ذلك «إغلاق غير مصرح به من قبل الكونغرس، ومخالف للقانون». وأردف أن خصوم ترامب «سوف يذهبون إلى محاكم الاستئناف»، لافتاً إلى أنّ المحاكم الأميركية حالياً «تنظر طعوناً في الكثير من الإجراءات التنفيذية المتطرفة للرئيس والتي تؤذي الناس».

وبهدف الوقوف في وجه إجراءات ترامب، أقام مدعون عامون من 14 ولاية، دعوى قضائية اتحادية في واشنطن، دفعوا فيها بـ«عدم قانونية» تعيين ترامب لماسك كمشرف على وزارة الكفاءة الحكومية، مؤكدين رفضهم منح الأخير «سلطة قانونية بلا قيود» من دون تفويض من الكونغرس. وبموجب بيان صادر عن المدعين الـ14، فإن تعيين ماسك «يعد تجاهلاً للتهديد الذي يشكله على الأمة»، لا سيما أنّه «لا وجود لإشراف هادف على أنشطة» الملياردير في وظيفته الحكومية. ومن جهته، قال المدّعي العام لولاية نيو مكسيكو، راؤول توريز، وهو أحد أطراف الدعوى، إنّ ترامب يظهر «ضعفاً» حيال الرئيس التنفيذي لشركات «تسلا» و«إكس» و«سبايس إكس»، بدلاً من تعزيز أجندة عهده عبر الكونغرس، الخاضع لسيطرة الجمهوريين.

وانطلاقاً من هذه الخلفية، أشارت وكالة «بلومبيرغ» إلى وجود «عقبات قانونية» تعترض طريق تنفيذ ترامب لأجندته الرئاسية، سواء في مجال الهجرة وسياسات التنوّع، أو على صعيد تقليص حجم البيروقراطية والنفقات الحكومية، كاشفة عن وصول عدد الدعاوى المرفوعة ضد إدارته في المحاكم الأميركية إلى 74. ولفتت الوكالة الأميركية إلى أنّ 17 قاضياً، من بينهم جمهوريون، أصدروا أحكاماً بوقف تنفيذ عدد من قرارات ترامب.

اللواء:

جريدة اللواءأمن رسمي في التشييع غداً.. ولا مبرّر لفوضى المطار!

عون تلقى دعوة للمشاركة بالقمة العربية وسلام يدعو العرب للإستثمار في لبنان

دخلت الدولة رسمياً على خط تشييع الأمينين العامين السابقين لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، عبر الاجتماع الأمني الذي ترأسه الرئيس جوزف عون في قصر بعبدا بحضور وزيري الدفاع والداخلية ميشال منسى وأحمد الحجار، بحضور قادة الأجهزة الأمنية.

وتطرَّق البحث، حسب المعلومات الرسمية الى «الترتيبات الأمنية المتخذة لمواكبة تشييع الشهيدين نصر الله وصفي الدين غداً الأحد».

بالتوازي، بقيت الحركة الدبلوماسية، العربية والدولية، تركز على المرحلة المقبلة، لا سيما لجهة إلزام اسرائيل الانسحاب من آخر النقاط المحتلة في الجنوب، والمساعدات المتاحة لتأسيس صندوق اعادة الاعمار.

وقالت مصادر سياسية متابعة للإتصالات لـ«اللواء»: ان هناك ضمانات اميركية اكيدة بحصول الانسحاب عاجلا ام آجلا لكن بعد التأكد الاسرائيلي والاميركي من خلو قرى الحدود من اي وجود لحزب الله وهو امر صعب لأن عناصر الحزب هم من ابناء القرى فهل نقوم بتهجيرهم مع اهلهم من ارضهم. لكن المهم قبل الانسحاب ان يوقف الاحتلال استهداف المدنيين بالقتل ويوقف الغارات الجوية والخروقات المتمادية لوقف اطلاق النار، وهو ما لم تضمنه التأكيدات الاميركية.

وتسلَّم الرئيس عون من سفير مصر في لبنان علاء موسى رسالة خطية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تضمنت دعوته للمشاركة في القمة العربية الاستثنائية التي تستضيفها القاهرة الثلثاء في 4 آذار المقبل، حول القضية الفلسطينية.

واعلن عضو الكونغرس الاميركي داريل عيسى بعد لقائه الرئيس عون مع عضوين من الكونغرس ردا على سؤال حول الانسحاب من النقاط الخمس: اسرائيل انسحبت من معظم الاراضي اللبنانية ما عدا النقاط الخمس، والجيش اللبناني عزز سيطرته على الأراضي اللبنانية، لكن ما لم يحصل تدمير المخازن الكبيرة للاسلحة، لذلك سيكون هناك وقت انتقالي اطول للتخلص منها، والتطبيق الكامل للقرار 1701 سيحصل بالكامل.

واكد الرئيس نواف سلام امام وفد الكونغرس على ضرورة الضغط الاميركي على اسرائيل كي تنسحب بشكل كامل من النقاط التي لا تزال تحتلها بأسرع وقت، معتبرا ان لا مبرر عسكري او أمني لذلك، وهو يشكل (الاحتلال) خرقا مستمرا لترتيبات وقف اطلاق النار والقرار 1701 والقانون الدولي وانتهاكا لسيادة لبنان.

وفي السراي، استقبل سلام اعضاء السلك الدبلوماسي العربي برئاسة عميد السلك سفير فلسطين في لبنان اشرف دبور . وثمن رئيس الحكومة الدعم العربي للعهد الجديد والحكومة، لافتا الى ان البيان الوزاري يلتزم استعادة لبنان لمكانته بين اشقائه العرب، والحرص على ألا يكون منصة للتهجم على الدول العربية والصديقة، كما شدد على اهمية الموقف العربي الموحد لمواجهة التحديات المشتركة، لا سيما مخطط تهجير الفلسطينيين. هذا واطلع رئيس الحكومة السفراء على الاتصالات التي اجراها مع المسؤولين العرب بهدف الضغط الدبلوماسي كي تنسحب اسرائيل من كافة الاراضي اللبنانية بأسرع وقت. من ناحية ثانية، دعا الرئيس سلام الأشقاء العرب للعودة للاستثمار والسياحة في لبنان، في ضوء الظروف الجديدة التي ستسعى الحكومة لتوفيرها.

دعم مالي أوروبي

وفي اطار التحركات الاوروبية تجاه لبنان، التقت مفوضة الاتحاد الأوروبي في منطقة المتوسط دوبرافكا شويتزا DUBRAVKA SUICA ترافقها سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان SANDRA DE WAELE قرارات بالرؤساد عون ونبيه بري وسلام.

واكدت امام الرئيس عون ان المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي يدعمان فخامة الرئيس عون والحكومة الجديدة. وسبق للمفوضية الأوروبية ان خصصت حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، وتم اعتماد خمسمائة مليون من هذه الحزمة خلال شهر آب الماضي. وسوف يتم تخصيص خمسمائة مليون أخرى الا ان ذلك يتوقف على بعض الشروط. وأحد هذه الشروط المسبقة هو إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وما ان يتم الوفاء بهذين الشرطين سوف نتابع العمل على صرف المبالغ المخصصة الإضافية».

اليونيفيل وتمدد الاحتلال

وكان لافتاً للإنتباه امس، زيارة وفد من لجنة الشؤون الخارجية النيابية الى الناقورة ولقاء قائد قوات الطوارئ الدولية الجنرال لازارو. كان اللقاء مناسبة للمطالبة بتثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار ١٧٠١، كما ضرورة انسحاب إسرائيل بشكل فوري ودائم من لبنان.

وقال رئيس اللجنة النائب فادي علامة: مع انتهاء الترتيبات المتعلقة بوقف إطلاق النار في 18 شباط، تأتي زيارتنا كلجنة لنؤكد أهمية دور ووجود هذه القوات الدولية عند حدودنا مع فلسطين المحتلة ومسؤولياتها في مراقبة الحدود منذ عشرات السنين ونقف إجلالاً أمام التضحيات التي قدمتها القوات الدولية خلال هذه الفترة.

واضاف: لا بد من التأكيد على مدى انسجام اليونيفيل قيادة وعناصر من النسيج اللبناني وتعاونها مع السلطات الرسمية والجمعيات الأهلية والاهالي، وتحديدا في مناطق انتشارها في جنوب لبنان، ما يجعل الحادث الاخير الذي تعرضت له قرب المطار حادث فردي نستنكره باجماع القوى اللبنانية ونثق بالمؤسسات الأمنية التي تابعت الأمر على محاسبة الفاعلين حسب القانون.

وقال عضو اللجنة بو عاصي لـ«اللواء»: ان قوات الطوارىء ضد كل خرق واحتلال. والاحتلال الاسرائيلي مرفوض من قبلهم ومدان.والخشية انه قد يتمدد الاحتلال إلى ٤ نقاط اخرى ويمكن ٦. واليونيفيل تؤازر الجيش وعليه القيام بالمهمات الأساسية تطبيقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.

واوضح «ان الاحتلال الاسرائيلي للنقاط اللبنانية يُعتبر خرقاً لإتفاق وقف اطلاق النار بالنسبة لليونيفيل، والإبقاء على أسلحة لحزب الله خرق ايضاً من وجهة نظرهم. وان أعمال ترسيم الحدود تمهيداً لتثبيتها متوقفة حالياً. ولجنة الاشراف الخماسية تلعب دورها ايضاً في إعلام الجيش عن مراكز ومخازن تابعة للحزب».

وقال: ان اداء الجيش مقبول ولكن تنقصه الامكانيات للقيام بمهامه على أكمل وجه. وحرية حركة اليونيفيل مقيدة نسبياً ان كان من قبل الاسرائيليين او من قبل بعض اهالي الجنوب ومن يقف خلفهم.كما ان الاسرائيلي يعرقل حركة الجيش بمناطق تواجده ويعيق عملية انتشاره عبر استمرار احتلال بعض النقاط وقطع الطرقات بين القرى.

التشييع

ينتظر لبنان يوم التشييع الكبير للشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين يوم غد الاحد، والمرتقب ان يمر على خير نتيجة طبيعة التنظيم والتحضيرات التي قام بها حزب الله والاجهزة الرسمية المختصة في الدولة من جيش وقوى امن، كما ينتظر ترجمة الوعود الاميركية بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لمناطق جنوبية.
وأعلن وزير الداخلية أحمد الحجار أنّه اطلع من القوى الأمنية على الإجراءات والتدابير التي ستتخذها لمناسبة التشييع في 23 شباط. ولفت عقب اجتماع أمني عقده في وزارة الداخلية إلى أنّ هدف هذه التدابير الأمنية هو المحافظة على الأمن والنظام وتأمين أمن المناسبة والمشاركين فيها وأمن كل المواطنين وتسهيل حركة السير.

انتهاء تحضيرات يوم التشييع

انهت اللجنة العليا لمراسم تشييع الشهيدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين الترتيبات الاخيرة لمراسم التشييع غدا الاحد، واعلنت خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس اللجنة السيد حسين فضل الله، أنّ «البرنامج الرسمي للتشييع سيبدأ عند الساعة الواحدة ظهراً، وهو مؤلف من 7 فقرات، على أن ينطلق من المدينة الرياضية إلى شارع قاسم سليماني وصولاً إلى شارع المرقد الشريف».

وأفاد بأنه سيتم «نشر شاشات لعرض المراسم في كل الطرقات، ويمكن لمن لم يصل للباحة القريبة أن يتابع عبرها. وعن المشاركين في التشييع، أشارت إلى أنها «لن تدخل في الأسماء، لكن يمكن القول إن رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي أكدتا المشاركة». وقال فضل الله: أن التشييع سيكون حدثًا استثنائيًا لن ينساه العالم، وقد بلغنا أعلى درجات الجهوزية والاستعداد.

واتخذت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تدابير سير خاصة اعتبارا من صباح أمس وحتى انتهاء التشييع، لأنه «ومن المتوقّع حضور أعداد كبيرة من المواطنين للمشاركة في التّشييع».

كما اعلنت قيادة الجيش وقف العمل بتراخيص التصوير بالطائرات المسيّرة (Drone) الصادرة عن قيادة الجيش في منطقة بيروت ومحيطها اعتبارًا من الساعة السادسة من مساء السبت حتى السادسسة من مساء الاحد موعد التشييع.

وكشف مسؤول إيراني قوله: ان وزير الخارجية عباس عراقجي سيحضر تشييع الاميني العامين الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين غدا الاحد.

كما ذكرت قناة «المسيرة» التابعة لجماعة «انصار الله» في اليمن أن وفدا رفيع المستوى من أنصار الله «غادر مطار صنعاء الدولي للمشاركة في التشييع. وأضافت أن الوفد ترأسه مفتي الديار اليمنية شمس الدين شرف الدين، دون ذكر المزيد من التفاصيل.

ويرتقب حضور وفد عراقي كبير ايضا ووفود من الكويت والبحرين وسلطنة عُمان والجزائر ودول اخرى عربية وغير عربية.

وفي لبنان تأكد حضور الرئيس نبيه بري وقد يمثل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ما لم يوفد الرئيسان ممثلين عنهما وتردد ان وزير العمل محمد حيدر سيمثل رئيس الحكومة، وتواصلت دعوات القوى السياسية والاحزاب والنقابات والهيئات الاهلية للمشاركة الواسعة في تشييع الشهيدين، واعلن عضو كتلة لبنان القوي النائب سيزار أبي خليل أن التيار الوطني الحر، سيشارك في مراسم التشييع عبر وفد نيابي. وسيتم تشكيل الوفد النيابي للمشاركة بالتشييع، وهذا واجب إنساني ووطني ونحن لبنانيون ونتضامن مع بعضنا في الحزن.

اما حزب الكتائب فقالت مصادره لـ «اللواء»: انه لم يتلقَ دعوة للمشاركة كحزب وربما تكون وصلت دعوات فردية لنوابه لكنه بكل الاحوال لن يشارك. فيما أعلن مسؤول العلاقات الخارجية في القوات اللبنانية ريشار قيومجيان انه لم يتلقَ دعوة للمشاركة ولو تلقى لن يشارك.

وقال النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جو ويلسون، امس، أن أي سياسي لبناني سيحضر تشييع الأمين العام السابق لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «هو يقف مع النظام الإيراني».

ولكن الأمر المثير، وغير المبرر ما حصل ويحصل من فوضى في مطار رفيق الحريري الدولي، لجهة رفع الاعلام الحزبية والايرانية وتحدي القوى الامنية، عبر المشاجرات والهتافات ورفع الاصوات بوجه الجهات العاملة في المطار من مدنيين وعسكريين وغيرهم.

وطلبت السفارة الفرنسية من رعاياها تجنب سلوك طريق المطار والحد من تنقلاتهم يوم الاحد.

البناء:

صحيفة البناءترامب: خطتي لغزة جيدة لكنني لا أتمسك بها ولن أفرضها بل أوصي بها فقط

حضور رئاسي ومواكب شعبية وحزبية ومناطقية ووفود عربية ودولية في التشييع

تقديرات لحشد يفوق المليون مشارك تحية لسيد المقاومة وعهداً بمواصلة الطريق

كتب المحرّر السياسيّ

بعض الصمود العربيّ كان كفيلاً بتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التمسّك بخطته لتهجير سكان غزة، رغم اعتقاده كما قال بأنّها جيدة، لكن مستغرب لأسباب رفضها، ويكتفي بالتوصية بها، دون أن ينسى أن غزة منطقة مذهلة ويبدي دهشته كيف تركتها «إسرائيل»؟

السؤال الذي ينتظر جواباً عربياً هو ماذا لو أكمل العرب صمودهم ورفعوا الصوت عالياً بأن لا حلّ لغزة وحدها، فهي جزء من قضية والقضية اسمها فلسطين، وفلسطين لها شعب يستحقّ أن تكون له دولة يجمع العالم على أنها الطريق لحل النزاع، والمبادرة العربية للسلام تشكل الطريق الذي يلتزمه العرب جميعهم، التطبيع لاحق لقيام الدولة الفلسطينية وحق العودة والانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، فهل يفعلها العرب؟

بانتظار الجواب العربيّ تستعدّ العاصمة اللبنانيّة بيروت لحدث تاريخي غداً، موعد التشييع المهيب للأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله وخليفته الأمين العام الشهيد السيد هاشم صفي الدين، وقد اكتملت الاستعدادات والتحضيرات للحدث بما يفترض أن يليق بالمناسبة.

تؤكد مصادر اللجنة المنظمة أن أكثر من 10 آلاف من العناصر الحزبيّة سوف ينتشرون من مساء السبت لضمان الانضباط والأمن بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية، وأن مئات الممرّضين والأطباء وعشرات سيارات الإسعاف سوف يهتمون بالحالة الصحيّة للمشاركين، بينما اكتملت الترتيبات الإعلامية بوجود مئات المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية والدولية المشاركة، حيث يقدر عدد الإعلاميين المشاركين في تغطية الحدث بـ 4 آلاف، ونشرت عشرات الشاشات العملاقة على مسار التشييع لإتاحة المتابعة أمام الحشود التي لا تستطيع الوصول إلى نهاية المسار.

على صعيد الحضور تؤكد مصادر اللجنة المشاركة الرئاسيّة، ووجود وفود ومواكب حزبية ومناطقية مشاركة بآلاف المناصرين والمحبين، إضافة إلى وفود من قرابة 100 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، تضمّ شخصيات قيادية رسمية وحزبية من عدد من الدول ويُقدّر الحضور المتوقع من خارج لبنان بعشرات الآلاف، بينما يتوقع أن يزيد العدد الإجمالي للمشاركين عن المليون في أضخم حشد عرفه لبنان في أيّ مناسبة سياسية أو اجتماعية أو دينية، في رسالة تحية وتكريم لسيد المقاومة وعطاءاته وتضحياته، وعهد لمواصلة الطريق.

وعشيّة تشييع الأمينين العامين لحزب الله السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، رأس رئيس الجمهورية العماد جوزف عون اجتماعاً أمنياً حضره وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى ووزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار وقائد الجيش بالإنابة اللواء الركن حسان عوده والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري ونائب مدير عام أمن الدولة العميد حسن شقير ومدير المخابرات العميد الركن أنطوان قهوجي والمستشار الأمني والعسكري لرئيس الجمهورية العميد أنطوان منصور. وعرضت خلال الاجتماع الأوضاع الأمنيّة في البلاد والتطوّرات في الجنوب. كما تطرّق البحث إلى الترتيبات الأمنية المتخذة لمواكبة تشييع الشهيدين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين يوم الأحد المقبل، وتقرّر أن تكون الاجتماعات الأمنيّة دورية وعندما تقتضي الحاجة.

وأعلن وزير الداخلية أحمد الحجار أنّه اطلع من القوى الأمنية على الإجراءات والتدابير التي ستتخذها لمناسبة التشييع في 23 شباط. ولفت عقب اجتماع أمنيّ عقده في وزارة الداخلية إلى أنّ هدف هذه التدابير الأمنيّة هو «المحافظة على الأمن والنظام وتأمين أمن المناسبة والمشاركين فيها وأمن كل المواطنين وتسهيل حركة السير».

وفي موازاة ذلك، أعلنت اللجنة العليا لمراسم التشييع خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس اللجنة السيد حسين فضل الله، أنّ «البرنامج الرسمي للتشييع سيبدأ عند الساعة الواحدة ظهراً، وهو مؤلف من 7 فقرات، على أن ينطلق من المدينة الرياضية إلى شارع قاسم سليماني وصولاً إلى شارع المرقد الشريف». وأفادت اللجنة بأنه سيتمّ «نشر شاشات لعرض المراسم في كل الطرقات، ويمكن لمن لم يصل للباحة القريبة أن يتابع عبرها». وعن المشاركين في التشييع، أشارت إلى أنها «لن تدخل في الأسماء، لكن يمكن القول إن رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي أكدتا المشاركة». وقال فضل لله: «إن التشييع سيكون حدثًا استثنائيًا لن ينساه العالم، وقد بلغنا أعلى درجات الجهوزية والاستعداد».

وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن عدد الوافدين من الخارج من دول عربية وإسلامية وأجنبية كبير جداً يقدر بمئات الآلاف، حيث بلغ الوافدون من العراق والجمهورية الإسلامية في إيران من لبنانيين وإيرانيين وعراقيين، وكذلك الأمر من اليمن أكثر من مئتي ألف ومن المتوقع أن تصل وفود أخرى اليوم السبت وفجر غد الأحد، وتوقعت المصادر أن يكون التشييع عالميّاً ومسيرة مليونية.
وأفيد بأن «وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيشارك في التشييع».

وأشارت المصادر إلى أنه رغم الظروف المناخية والأمنية والتهديدات الإسرائيلية لمطار بيروت إلا أن الوفود لا زالت تتقاطر إلى لبنان للمشاركة في التشييع.
ورجحت المعلومات حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري وقد يلقي كلمة في المناسبة، كما من المحتمل حضور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، إضافة الى حضور شخصيّات رسميّة من مختلف القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية والقومية. وعلمت «البناء» أن الكثير من المواكب ستنطلق من كافة المناطق اللبنانيّة ومن كافة الطوائف للمشاركة في التشييع، لا سيما من البقاع والجبل والشمال وصيدا وطرابلس وبيروت.

وأفادت مصادر صيداويّة بأن حضورًا شعبيًّا صيداويًا وازنًا سيكون يوم التشييع بما يليق بعظمة شهيد الأمة السيد حسن نصر الله وبما يليق أيضًا بتاريخ مدينة صيدا بوصفها عاصمة المقاومة والجنوب.

وقالت مصادر نيابية لـ»البناء» إن التشييع سيكون مناسبة وطنية وعربية وإسلامية وقومية وعالمية ولا يمكن قراءتها بالإطار اللبناني فقط، فصحيح أن السيد نصرالله كان لبنانياً وكان لبنان أولويّة بالنسبة له، لكنه كان ثائراً عالمياً ورمزاً للأحرار في العالم ومدافعاً عن قضايا الأمة وحقوقها ومقدّساتها.
وفي إطار سياسة التحريض والتهويل الأميركية على حزب الله والمقاومة في لبنان، حذّر النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جو ويلسون، في تصريح، من أنّ أي سياسي لبناني سيحضر تشييع الأمين العام الراحل لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله «فهو يقف مع النظام الإيراني».
ورأت المصادر النيابيّة في هذا التهديد انتهاكاً للسيادة اللبنانية وتحريضاً على فريق لبناني، ويندرج في إطار سياسة الإرهاب الأميركيّة التي تمارسها على شعوب العالم، ما يستدعي من الدولة والحكومة ووزارة الخارجية الردّ على هذا الانتهاك.

إلى ذلك، جال وفد من الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور داريل عيسى على كبار المسؤولين بدءاً من رئيس الحكومة نواف سلام، الذي استقبلهم بحضور السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون. وقدّم الوفد التهنئة، مؤكداً دعمه للبنان في مختلف المجالات الى جانب الدعم المستمر للجيش اللبناني. من ناحيته، شدد الرئيس سلام على ضرورة الضغط الأميركي على «إسرائيل» كي تنسحب بشكل كامل من النقاط التي لا تزال تحتلها في أسرع وقت، معتبراً أن ليس هناك أي مبرر عسكري أو أمني لذلك، وهو يشكل خرقاً مستمراً لترتيبات وقف إطلاق النار والقرار ١٧٠١ والقانون الدولي وانتهاكاً لسيادة لبنان. كما زار الوفد قصر بعبدا واجتمع مع الرئيس عون، وقال عيسى من بعبدا: بحثنا مع رئيس الجمهورية في التحديات الأمنية وتطبيق القرار 1701 وعودة الاستثمارات إلى لبنان وتطرقنا إلى العلاقة بين لبنان وسورية.
وطلب رئيس الجمهورية من وفد الكونغرس الأميركي أن «تضغط الولايات المتحدة الأميركية على «إسرائيل» من أجل استكمال الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها في الجنوب».

ودعا الرئيس عون، إلى أن «تواصل الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأمين دعم الجيش اللبناني بالتجهيزات والمعدات التي تمكّنه من تنفيذ المهام الموكلة إليه في الجنوب وسائر المناطق اللبنانية».

وبالتزامن مع جولة الوفد الأميركي على المرجعيات، واصل جيش العدو الإسرائيلي عدوانه على لبنان، فزعم أنه هاجم مساء الخميس «نقاط عبور على الحدود اللبنانية السورية تستخدمها جماعة حزب الله في محاولات تهريب الأسلحة إلى لبنان». وادعى «أن أنشطة حزب الله تشكل «انتهاكاً صارخاً» لوقف إطلاق النار بين «إسرائيل» ولبنان»، مضيفاً أنه يواصل العمل على «إزالة أي تهديد» وسيعمل على منع أي محاولة من جانب حزب الله لإعادة بناء قواته. وكانت تردّدت معلومات عن أن طائرة إسرائيلية نفذت هجمات على المنطقة الحدودية بين سورية ولبنان، واستهدفت معابر غير شرعيّة بين البلدين من جهة وادي خالد وريف حمص الغربي.

المصدر: صحف

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق