نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن السيّد الذي نحبّ - عرب بريس, اليوم السبت 22 فبراير 2025 03:11 مساءً
ثمّة قوة دافعة سرّها الفخر والحزن معاً، وأنت تكتب بمداد الحبّ للسيّد الشهيد حسن نصر الله. ليس حبّاً عادياً، لكن غير العادي هو أنه حب يجمع بين علاقتين: تلك التي ترتبط بالسيّد كموقف وحقيقة ماثلة عنوانها ثبات الرجال في زمن عزّت فيه الرجولة، أولئك القابضون على جمر المحن في عصر التخاذل. وأخرى، يبثّها محيّا السيّد، صوته، كلماته، إشارته. هنا تشعر بأنّ علاقةً شخصيةً بات أثيرُها أسير هالة العشق في رجلٍ ليس ككل الرجال. مبتدؤها عنده وكذلك منتهاها، واقعاً وبالتحديد، حيث لا يتجزّأ الحبّ بكل سحر معانيه وقدرته.
وككل البدايات، الأصل هو الفكرة. المقاومة فكرة، لكنها في عقول أهليها الأوفياء تصبح منظومة. من هذه النقطة صار السيّد، والصيرورة هنا سابقة على ما يلازمها من سيرورة، منظومة عقائدية ورمزاً لكل الأزمان، فكيف إذا كانت تلك التي شقّ فيها نوراً في غياهب دجى ظلام العصر؟ حينما قعد الكثيرون ينأون بأنفسهم عن إشعال شمعة، ويصبّون الشتائم على ليلهم السقيم، وكأن الاحتلال قدرٌ لا مفرّ منه. وعندها أتت المقاومة وأتى معها السيّد، بكل ما للحضور من معنى وقيم وعبرة، ليكتب في التاريخ أنّ النور كامنٌ في القدرة، في إرادة الحياة، ولو أطبق الموت بكل ألوانه على من أراد الحياة. ذاك الانبلاج لا يدركه إلا من عَرِف أن لا موت بعد الموت، وإن غفا جفن السُّهى الذي نرى فيه المصداق الشامل لمعاني الفداء والتضحية وسمو الرسالة وطهر العقيدة.
مع السيّد، أصبح للنصر طعم آخر، ومعنى جديد، ووقع خاص. تجده يختزل التاريخ في خُطبه، يقدّمه لأسماع البسطاء قبل العارفين بمدارك السياسة. لا تذوب كلماته في مغبّة التركيب الباحث عن المعنى، بل يتحضّر المعنى ويسبق اللفظ. ولعل سرّ التخاطب الدلالي كامن في هذه الجزئية تحديداً. قد يبدو للأذواق بسيطاً، لكنه في قمة الإبداع العابر للأوصاف، وتلك قدرة أسرت قلوب المحبين والمريدين والفاهمين على اختلاف تنوّعاتهم.
مع السيّد تعلّمنا كيف للقوة أن تكون هي ضامن العيش بكرامة، وما معنى أن تكون قوياً في عصر من يعتبر أن قوة “إسرائيل” هي من ذاتيتها، لا لضعف من اقتنع بقوتها. أثبتت التجربة العملية التي اضطلع بها السيّد في المقاومة الإسلامية وتطوير قدرتها وقوتها الإقليمية الوازنة، كتجربة فريدة لم يستأثر نصرها، بل كانت دائماً ما تقرؤوه جولة تسلسلية في الصراع مع العدو الإسرائيلي ومن خلفه المشروع الأمريكي – الصهيوني بعنوانه العريض ومفاهيمه المتعددة، بأن “إسرائيل” هي فعلاً أوهن من بيت العنكبوت. ليس خطاباً عادياً، بل معنى بلاغي دلالي يؤصّل جدوى المقاومة كفكرة قبل أن تكون فعلاً عسكرياً وسياسياً.
ذلك أن الحامل الأساس للمشروع الصهيوني قائم على التناقض، ومن هنا رأينا كيف أنّ المقاومة في فلسطين ولبنان، بل وكمشروع متكامل، تخوض بتضحياتها هذا التفصيل المهم من مراحل المعركة. فالمعركة مع العدو أقرب ما تكون معركة الإثبات في وجه النفي. ولنا في أضخم مزية شهدها التاريخ الحديث والتي وضع السيّد فيها بصمته الأبرز “طوفان الأقصى” الكثير، الكثير من تلمُّس خطوط التفكير، وأساسات مفاهيم الصراع مع مشاريع الهيمنة والاستبداد، الطوفان الذي أكّد ما حسمه السيّد سلفاً، بواهنية “إسرائيل”؛ لأن الطوفان أثبت قاعدة أساسية غطّى الكثيرون أعينهم عنها، وهي أن المشروع الصهيوني بذاتيتيه القائمة على “الغش المصقول” ليس له استقلالية حركية، ولا حركة مستقلة ذاتية.
يكفي أن نرسم في مخيالنا مصير الكيان لولا دعم صنّاعه أمام غزة التي لبَّتها لبنان واليمن وإيران، وقبل كل شيء، أبناؤها. كما نتحقق دون تمنّيات جداوئية من المقاومة الثابتة في مواجهة المنفيّ أصولاً.
كان السيّد، وكما في شهادته اليوم، حقيقة ماثلة أمام أعيننا وحاضرة في وعينا. كانت عظمته تكمن في أنه كان واحداً منّا، كما كنّا منه، من حيث نشعر أو لا نشعر. الأب العطوف، وهو ينثر صداه على الملا متألّقاً. السيّد الذي ارتقى لحضرته المعنى، وهو يغزل من الشمس حكاية سكون المنتهى في مدارج الكمال والأثر.
ما نعرفه أن السيّد ارتقى، مضى حيث يحب وتمنّى، ولكن ما يُحبّ أن نعرفه أن المسيرة لم ولن تنته. تلك وصايا العظماء، الأكبر في حكاياهم من رواية أو قصة أو أسطورة، تلك جميعها تكون بنهايات، أمّا مصافّ الأبطال الخالدين فلا تنته حكاياهم. فكيف يكون ذلك ومدادها الدم؟ هذا هو السيّد الذي نحبّ، حيث التاريخ صفحة عنوانها “حسن”، وحيث قصص لم تروَ بعد. قبل الفجر الكبير نكون فيه للسماء أقرب على طريق المقاومة والتحرير.
المصدر: بريد الموقع
0 تعليق