نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زراعة التبغ في لبنان… تاريخ طويل من التحديات والمعاناة للشتلة المُرّة - عرب بريس, اليوم الخميس 6 فبراير 2025 12:55 مساءً
“صعبة الأمور، منا نشوف كيف الله بدو يسرها”، هكذا يختصر بسام حسن، مزارع تبغ من بلدة عيترون، حال مزارعي التبغ في لبنان. فالوضع واحد بالنسبة لجميع المزارعين الذين ما زالوا في انتظار توقف الاعتداءات الإسرائيلية ليتمكنوا من الاطمئنان على أراضيهم ومشاتلهم.
بسام يمتلك رخصة لزراعة التبغ على 10 دونمات، ويتكبد سنويًا ما بين 3000 و3500 دولار لتوفير احتياجاتها، في حين يحقق عائدًا يتراوح بين 9000 و10000 دولار. ويقول إن هذا هو الموسم الثاني الذي يخسره بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان. وحتى الآن، لم يتمكن من تجهيز مشاتل التبغ التي كان من المفترض أن يبدأ تجهيزها قبل شهر. فالوصول إلى الأراضي الزراعية صعب للغاية بسبب الاعتداءات المتكررة. وفي ظل غياب مقومات الحياة الأساسية مثل المياه والكهرباء والمأوى، يصبح من الصعب جدًا التحضير لموسم الصيف المقبل.
تاريخ حافل بالمواجهات للشتلة المرة
تاريخ هذه الشتلة مليء بالمواجهات منذ دخول الزراعة إلى المنطقة، حيث عانت في العهد العثماني والاستعمار الفرنسي، ثم تحت سيطرة البرجوازية ونفوذ الأسماء الكبيرة، وصولًا إلى العدو الإسرائيلي. كما شهدت العديد من الانتفاضات التي قام بها المزارعون، مثل انتفاضة التبغ في بنت جبيل عام 1936، وانتفاضة التبغ في النبطية عام 1973. كانت هناك محطات تاريخية هامة شهدتها هذه الزراعة، ولا نعتزم التحدث عنها بالتفصيل هنا، لكننا نذكرها في سياق الحديث لنبين كيف أن هذه الزراعة المُرة قد ارتبطت بحياة أهل الجنوب ومزارعي التبغ في المنطقة. كما جاء في وصفها: “إنها أكلت من عظام أهلنا وأتلفت بشرة نسائنا وشدت عود أطفالنا، ورغم المعاناة نتوارثها مع الأجيال؛ فلا بديل عنها ولا غنى عن معاناتها”.
يقول رئيس اتحاد نقابات التبغ في لبنان، حسن فقيه، في مقابلة مع موقع المنار الإلكتروني، إن هذه الزراعة هي العمود الفقري للمزارعين في الجنوب، وهي موجودة في المنطقة منذ مئات السنين (حوالي 300 سنة). وتلعب دورًا مهمًا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، حيث توفر مصدر دخل لأكثر من 25,000 عائلة، منها 16,000 في الجنوب و10,000 في البقاع والشمال.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تمثل مصدرًا ماليًا مهمًا للدولة من خلال عملية تصنيع السجائر اللبنانية، كما توفر فرص عمل في المناطق البعيدة عن العاصمة. إضافة إلى ذلك، تشكل هذه الزراعة عامل استقرار لسكان الأرياف وتشجعهم على المشاركة في عملية التنمية في مناطقهم.
معاناة قطاع التبغ جراء العدوان الإسرائيلي
مع بداية فصل الخريف، يبدأ موسم زراعة التبغ، من خلال تحضير المشاتل وجلب البذور لتحويلها إلى شتلات. وبعد حوالي شهر أو شهر ونصف، يتم نقل هذه الشتلات إلى الحقول بعد إجراء عملية تحضير طويلة تشمل 4 “فلحات” متتالية بين كل مرحلة وأخرى، بهدف تهوية الأرض، ثم يتم إضافة السماد الملائم لضمان محصول جيد. ولكن، وبسبب الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية، خاصة عند الحدود مع فلسطين المحتلة، منذ أيلول عام 2023، لم يتمكن مزارعو التبغ من القيام بهذه المراحل.حيث بلغ عدد الذين لم يستطيعوا أن يزرعوا ويُسلموا المحصول 2,500 مزارع.
وفي هذا الإطار، يوضح فقيه أنه جرت اجتماعات عدة بين إدارة حصر التبغ والتنباك ونقابة مزارعي التبغ، وتم اتخاذ قرار بأن مزارعي “قرى الحافة”، وهي المنطقة الأكثر شهرة بزراعة التبغ، قد يواجهون صعوبة في الزراعة هذا العام. وتشمل هذه القرى: الظهيرة، الجبين، طير حرفا، رميش، عيتا، عيترون، بليدة، بيت ليف وصولًا إلى ميس الجبل والخيام وعدد من القرى.
الخطوات التي قام بها المعنيون لتعويض الخسائر
سارعت إدارة حصر التبغ والتنباك إلى إقامة مشاتل في بلدة السعديات في منطقة الشوف، وزراعة الأراضي المخصصة لـ “الريجي”، على أمل أن تكون الشتول جاهزة في حال توقفت الحرب في أي لحظة، لتقديم المساعدة للأهالي في منطقة “الحافة”. غير أن المساعدات لم تُقدَّم كما كان متوقعًا، بحسب ما أفاد فقيه لموقع المنار، سواء في عيد الفطر أو عيد الأضحى، واستمرت الأوضاع على حالها، حيث تم تهجير العديد من الأهالي ولم يتمكن معظمهم من الزراعة.
ويضيف رئيس اتحاد نقابات التبغ في لبنان أن التكاليف أصبحت كبيرة والغلاء فاحش، في حين أن المزارع يعاني كما أي مواطن آخر من الانهيار المالي، يضاف إليها ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي يحتاجها، مثل السماد وأجرة العمال. ورغم أن زراعة التبغ في الأساس تعتبر زراعة بيتية، إلا أنه خلال موسم الزراعة يتم الاستعانة بعمال للقيام بالأعمال اللازمة، مثل الفلاحة وحصاد المحصول وأجرة الأرض في حال كانت مُستأجرة. علاوة على ذلك، لا ينتج لبنان المواد الكيميائية اللازمة، مثل الأسمدة والمبيدات، حيث يتم توزيع جزء كبير منها من قبل إدارة حصر التبغ والتنباك كمساعدات، لكن المزارع هو من يتحمل شراء باقي المواد بأسعار مرتفعة. كل هذا يُشكل عبئًا إضافيًا على مزارعي التبغ.
الدعم الحكومي
منذ اتفاق الطائف، يستفيد مزارعو التبغ في مختلف المناطق من دعم حكومي يتراوح بين 30% إلى 50%. في البقاع والشمال يزداد الدعم نظرًا لقلة تصنيع التبغ هناك، بينما في الجنوب الدعم أقل رغم جودة المحاصيل، حيث ينتج الجنوب أنواعًا ممتازة من التبغ الشرقي.
هذا العام، كان هناك دعم كبير لمزارعي التبغ، حيث تم توفير المساعدة منذ اليوم الأول برعاية كاملة من دولة الرئيس نبيه بري، الذي يعرف معاناة الجنوبيين مع زراعة التبغ. تم اتخاذ قرار بزيادة سعر كيلو التبغ بمقدار 1.50 دولار، فيما زُيِّد السعر في منطقة الشريط الحدودي إلى دولارين ونصف.
وفي هذا السياق، دعا فقيه إلى إيجاد بدائل جدية لدعم هذا القطاع الحيوي، واصفًا الخطوات التي تتخذها إدارة حصر التبغ بأنها تسير في الاتجاه الصحيح، على أن تستمر الجهود التي بدأها رئيس إدارة حصر التبغ والتنباك “الريجي” لطيف السقلاوي، لضمان استدامة هذه الزراعة. في الوقت الراهن، لا يستطيع الأهالي الزراعة بسبب الأضرار التي خلفها العدوان في أرضهم، سواء بسبب القصف والحفريات، أو بسبب الأضرار الناتجة عن المواد السامة التي ألقيت من قبل الاحتلال، والذخائر غير المنفجرة.
ويضاف إلى هذا، أن العديد من الأهالي دمرت منازلهم، وبالتالي لن يستطيعوا العودة إلى أرضهم في الوقت الحالي. ورغم ذلك، يبقى المزارعون متمسكين بزراعة التبغ كمصدر رزقهم الوحيد، وهم يطالبون الدولة بتقديم الدعم المستمر لتحقيق الاستقرار.
المصدر: موقع المنار
0 تعليق