نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
برمجة العقل نحو أفق جديد!! - عرب بريس, اليوم الأربعاء 8 يناير 2025 12:05 مساءً
في عالمٍ يعجُّ بالناجحين والمبدعين الذين تتصدر أسماؤهم صفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يجد الكثيرون أنفسهم غارقين في المقارنات، مما يولد لديهم شعورًا بالعجز والفشل. ولكن، هل يكمن النجاح الحقيقي في مقارنة أنفسنا بالآخرين، أم في إيجاد رضا داخلي يعكس قناعاتنا وأحلامنا الخاصة؟!
إنَّ برمجة العقل ليست مجرد مصطلح عصري يتردد في أروقة التنمية البشرية، بل هي فلسفة حياة عميقة تدفع الإنسان إلى التأمل في ذاته، وتحليل قناعاته ومعتقداته. فالعقل البشري ليس مجرد أداة لاستقبال الأفكار، بل هو نظام ديناميكي قادر على إعادة تشكيل الواقع وفق ما يؤمن به. ويرى الخبراء أن الطريق إلى النجاح ليس واحدًا، بل هو شبكة من المسارات المتفرعة التي تعتمد على قدرة الفرد على برمجة عقله لتحقيق الأهداف التي تتوافق مع طبيعته وقيمه.
حين نغوص في أعماق أنفسنا، نجد أن هناك صوتًا داخليًا خافتًا يسألنا: “هل يمكنني برمجة عقلي لتحقيق النجاح والسعادة؟” والإجابة لا تكمن في اللجوء إلى الآخرين أو انتظار من يرسم لنا خارطة الطريق، بل في الانطلاق من ذواتنا والشروع في رحلة شجاعة نحو معرفة النفس وتطويرها.
إن الصورة الذاتية التي يحملها كل إنسان عن نفسه تلعب دورًا محوريًا في تشكيل مصيره. فهذه الصورة هي الانعكاس الداخلي لما نعتقده عن أنفسنا، والذي يبدأ بالتشكل منذ الطفولة. وللأسف، ترافقنا العديد من المعتقدات السلبية الناتجة عن تجاربنا المبكرة، سواء كانت لحظات انتصار أم إخفاق أم حتى صدمات نفسية.
لكن المدهش أن هذه الصورة الذاتية ليست ثابتة. بل يمكن إعادة تشكيلها كما يعيد الفنان تشكيل لوحته. فمن خلال التكرار، والتأمل، والتصوّر الإبداعي، يستطيع العقل أن يعيد برمجة نفسه ويتحول من عقل يعرقلنا إلى عقل يساعدنا في تحقيق أحلامنا.
من أبرز الأسماء السعودية التي استطاعت أن تقدم فنًّا متميزًا هو النجم سعيد قريش، الذي بدأ مسيرته الفنية من خشبة مسرح نادي الصفا، إلى أن أصبح نجمًا لامعًا في الدراما الخليجية. إن قصة قريش ليست مجرد حكاية نجاح فردي، بل هي درس عميق في برمجة العقل على التحدي، والمثابرة، والاستمرار رغم العقبات والقيود الاجتماعية. لقد استطاع قريش أن يتجاوز الصور النمطية التي تُفرض على الفنانين في بداية مسيرتهم، ونجح في إعادة تشكيل صورته الذاتية، مما ساعده في تطوير أدائه وتوسيع آفاقه الفنية.
هذه التجربة تحمل في طياتها فلسفة عميقة حول قدرة الإنسان على التحكم في مصيره، عبر تغيير أفكاره وتصوراته عن نفسه. حين نتأمل مفهوم برمجة العقل من منظور فلسفي، نجد أنها ليست سوى دعوة للعودة إلى الجوهر الإنساني. إنها رحلة نحو الوعي الذاتي، حيث يعيد الإنسان اكتشاف قدراته وإمكاناته، ويتحرر من الأفكار الموروثة والمعتقدات السلبية التي قد تحكمه.
لكن هذه البرمجة لا تتحقق بالتفكير الإيجابي السطحي، بل عبر التصور الإبداعي العميق الذي يدفع الإنسان إلى تخيل أهدافه وكأنها قد تحققت بالفعل. فعقل الإنسان الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال. ما تؤمن به سيصبح واقعك، وما تتصوره في ذهنك سيشكل مسار حياتك.
لعلنا نتساءل: كم مرة ركزنا على ما لا نريد حدوثه في حياتنا، ثم وجدناه يتحقق أمام أعيننا؟ السبب ببساطة أن العقل الباطن لا يفهم النفي، بل يستجيب للصور والأفكار المزروعة فيه، سواء كانت إيجابية أو سلبية. لذا، بدلًا من التفكير في الفشل، علينا أن نتخيل النجاح. وبدلًا من الخوف من الفقدان، علينا أن نستحضر مشاعر الوفرة والامتنان.لكن، هل يكفي التصور وحده لتحقيق النجاح؟ بالطبع لا. فالتصور هو الخطوة الأولى، لكنه بحاجة إلى خطوات عملية على أرض الواقع. وكما قال الفيلسوف الأمريكي نابليون هيل: “كل ما يستطيع العقل تخيله وتصديقه، يستطيع تحقيقه.”
هنا تكمن أهمية التكرار في برمجة العقل. فكلما كرر الإنسان أفكاره الإيجابية، ترسخت في عقله الباطن، لتصبح جزءًا من هويته وسلوكه. وهكذا يتحول العقل من عدو خفي يعرقلنا، إلى حليف قوي يساعدنا على تجاوز العقبات وتحقيق الطموحات.
إن إعادة برمجة العقل ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية. إنها دعوة لتحرير الذات من قيود الماضي والأوهام التي كبّلتنا طويلًا. إنها رحلة نحو اكتشاف أفق جديد، حيث يتحرر الإنسان من صورته القديمة، ويعيد تشكيل ذاته وفقًا لما يريد أن يكون عليه.
في النهاية، النجاح ليس حكرًا على أحد، ولا هو نتيجة صدفة أو حظ عابر. بل هو ثمرة إيمان عميق بالذات، وعمل مستمر على تطويرها. وبرمجة العقل نحو أفق جديد هي الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا النجاح الذي نسعى إليه جميعًا!
0 تعليق