انقسام «الغرب» يسهل مهمة خصومه للتلاعب به - عرب بريس

0 تعليق ارسل طباعة

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي أطلق عليه اسم «بريكست»، أصبحنا نحن البريطانيين مثل عائلة نشب بينها خلاف، وتبادل أفرادها الاتهامات، والألقاب السيئة، وألقوا بعض الأواني الفخارية، وقرروا إغلاق الأبواب في وجه الجيران.

وبعد مرور بضع سنوات لايزال أفراد الأسرة الأصغر سناً يشعرون بهذا الخطأ، في حين يشعر آخرون بعدم الارتياح إزاء «بريكست»، ولكن أغلبهم لا يريدون الدخول في الجدال مرة أخرى. وتتلخص سياسة حكومة حزب العمال في القول إن «القضية قد حُسمت»، وهي ترغب في تحسين العلاقات مع الجيران «المستائين» قدر الإمكان، لا إشعال الخلاف من جديد.

وفي الوقت الذي يستعد فيه رئيس الحكومة العمالي كير ستارمر للذهاب إلى بروكسل، فإنه يتعامل بحذر شديد مع العديد من القضايا المحلية والخارجية، خوفاً من التورط في مشكلات غير محسوبة، وهي عملية ستكون شاقة وخطيرة على الصعيد السياسي حتى إذا كان العالم كله مستقراً، لأن أي خطوة خاطئة ستشعل الخلاف العائلي مرة أخرى مع صراخ رئيس حزب «بريكست» نايجل فراج الذي يتهم الآخرين بالخيانة.

العقبات البيروقراطية

وفي الحقيقة فإن إزالة العقبات البيروقراطية على التجارة من شأنها أن تساعد صادراتنا، لكن إذا وافقت المملكة المتحدة على قوانين الاتحاد الأوروبي، مثل قانون الذكاء الاصطناعي الجديد أو الجينات، فقد يتضرر الابتكار في بريطانيا بشكل خطير.

ويتقاطع هذا الحذر الشديد لستارمر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بدأ في نهاية الأسبوع الماضي بإلقاء حجارة كبيرة على كل شخص يزعجه حتى إن كان من أقربائه. ويمثل إعلان ترامب فرض تعرفة جمركية على كندا (تم إرجاؤها لمدة شهر)، بمثابة تحذير عن مدى العشوائية وعدم وجود أي أساس لهذه الإجراءات التي يفرضها حتى ضد جيران أميركا ذاتها.

وكان التبرير الذي قدمه حول هذا الهجوم الاقتصادي على دول حلف «الناتو» ودول تحالف «العيون الخمس» الذي يتألف من خمس دول هي: أستراليا، وبريطانيا، وكندا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة، أن مخدر «الفينتانيل» يأتي عن طريق الحدود الكندية، لكن الكمية من هذا المخدر قليلة للغاية إلى حد أن التفسير الحقيقي لما يقوم به ترامب هو أنه بات يشعر بالكره لكندا، لرفضها أن تكون الولاية 51 في الولايات المتحدة، وهي مجرد نزوة أو مشكلة شخصية، وليست عملاً عقلانياً.

وفي الحقيقة فإن الحرب التجارية التي يشنها البيت الأبيض هي في الأساس سياسة خاطئة، وبينما أكتب هذه المقالة ترتفع قيمة الدولار سريعاً في الأسواق العالمية، وهو ما سيجعل كلفة الصادرات الأميركية أكثر ارتفاعاً، وأقل منافسة لبقية دول العالم، وسيؤدي ارتفاع الأسعار إلى بطء تخفيض أسعار الفائدة، ويضر بالنمو. والواقع أن عدم عقلانية هذا التوجه هو الجانب الأكثر إثارة للقلق، لأن التفسير (الصبور) للواقع لا يبدو أنه يشكل (ترياقاً) لسياسة تجارية قائمة على الأهواء، والنزوات.

انتقاد المملكة المتحدة

ومع وصول السياسي البريطاني العمالي اللورد بيتر مانديلسون إلى واشنطن، وأتمنى له النجاح في مهمته، بلاشك فإنه سيفسر أسباب عدم الحاجة إلى انتقاد المملكة المتحدة، بالنظر إلى أن تجارتنا مع الولايات المتحدة ليست متوازنة إلى حد كبير.

وهذا صحيح على الرغم من أن ترامب يرى أن المملكة المتحدة ليست كما يرغب. ويجب على ستارمر أن يوضح لترامب، وهو يقوم بهذا الانفتاح الصغير على الاتحاد الأوروبي، أنه «ليس هناك ما يثير قلقك سيدي الرئيس ترامب»، على الرغم من أن ترامب (يحتقر) بروكسل.

وفي الحقيقة فإن ما يحتاج إليه ستارمر هو الأمل بأنه عندما تفرض الولايات المتحدة تعرفة جمركية على الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ستقوم به، فإن البضائع التي ستمر عبر المملكة المتحدة أو التي يتم تصنيعها جزئياً فيها، لن تقع ضحية لتعرفة ترامب، وهذا هو تعقيد الصناعة الحديثة، ومثال ذلك طائرات «إيرباص»، حيث يتم تجميعها في فرنسا بأجنحة مصنوعة في بريطانيا، ما يجعل الحرب التجارية تنتشر بسرعة كبيرة. وما سيحدث بعد أن يوضح ستارمر كل هذه الأشياء يعتمد للأسف على نزوة ترامب، وهو ما يثير القلق.

إضعاف الديمقراطيات الغربية

وتعمل هذه المأساة التي صنعتها الولايات المتحدة على تدمير علاقاتها بحلفائها على نحو خطير، وستكون لمصلحة أي شخص يريد إضعاف الديمقراطيات الغربية. وسيسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاستفادة من كل ذلك في حربه مع أوكرانيا.

وفي موازاة ذلك تعمل موسكو على إتقان طريقة جديدة لكيفية دفع المجتمعات الحرة إلى الفوضى أو الخضوع، بينما نحن نشتت انتباهنا في محاولة التعامل مع رئيس أميركي غاضب.

وما حدث خلال الأشهر الستة الماضية في أوروبا الشرقية يجب أن يدق ناقوس الخطر في شتى أنحاء العالم الغربي، ففي جورجيا فإن الحزب الحاكم الذي انتقل إلى موقف أكثر تأييداً لروسيا، فاز بالانتخابات التي يعتقد العديد من المراقبين أنها تأرجحت بسبب تزوير الأصوات والترهيب، ما أثار أزمة دستورية. وفي مولدوفا قدر المسؤولون أن موسكو أنفقت نحو 100 مليون دولار في بلد يبلغ عدد سكانه 2.5 مليون نسمة في محاولة لانتخاب مرشحها الرئاسي المفضل الذي فشل بفارق ضئيل. وتعد رومانيا مثالاً أكثر وضوحاً بشأن التكتيكات التي يتم توظيفها، فقد أدت الجهود الكبيرة وذات الكلفة العالية خلال أسبوعين قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي إلى جعل مرشح اليمين المتطرف المؤيد لروسيا قريباً جداً في استطلاعات الرأي للفوز بالجولة الأولى من الانتخابات.

«تيك توك»

وتم دفع مبالغ كبيرة للغاية للمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لانتخاب مرشح اليمين المتطرف المؤيد لروسيا، وساعدهم في ذلك آلاف من الحسابات على موقع «تيك توك»، وكانت جميعها، وفق ما ذكرته المخابرات الرومانية، يتم «تنسيقها من قبل جهة حكومية».

ومع إلغاء الانتخابات من قبل المحاكم وإعادة جدولتها في شهر مايو المقبل، تمثل رومانيا مثالاً مبكراً لما يمكن أن تؤدي إليه التكتيكات الجديدة، حيث سنحصل على مجتمع منقسم بعمق، تكون فيه السلطات الحكومية متهمة بوضع المعوقات أمام اليمين المتطرف الذي يتلقى تمويلاً ضخماً من خارج الدولة.

وفي الشهر الماضي تمت إعادة انتخاب رئيس كرواتيا المعروف بشدة انتقاده لحلف «الناتو»، بدعم من كتل عدة مدعومة من روسيا، وفق مركز المعلومات والاستطلاع البريطاني المستقل وغير الربحي.

والخطوة التالية ستكون جمهورية التشيك، حيث الحزب المعارض الذي يدعو إلى إنهاء تنسيق توريد الذخائر إلى أوكرانيا.

وأسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في أن تكون الديمقراطيات الأوروبية مفتوحة على مصراعيها أمام التخريب.

والحقيقة أن ستارمر على صواب لاستغلال ظهوره الأول في بروكسل للتشديد على رغبته في حث الدول الأوروبية على بذل مزيد من الجهود من أجل الدفاع والأمن. وتمتلك بريطانيا الكثير في هذا المجال الذي يمكن أن تقدمه دون أن تثير غضب ترامب، ولكن وسط هذه الحرب التجارية التي ستؤدي إلى تقسيم دول الغرب، والمحادثات التفصيلية للغاية التي يمكن أن تشغل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، يتعين عليه وعلى نظرائه الغربيين أن يفهموا أن الدفاع لا يتمحور حول الدبابات والطائرات.

ونجحت روسيا في معرفة كيفية التلاعب أو إضعاف أو الإطاحة بالحكومات الغربية دون إطلاق طلقة واحدة، وهناك حاجة ماسة إلى وسائل جديدة من الدفاع تتضمن الكشف عن مدى هذه النشاطات وتعزيز قوانين الانتخابات، وفضح الجهات التي تتلقى المساعدات من موسكو.  عن «تايمز» البريطانية

• المأساة التي صنعتها أميركا تعمل على تدمير علاقاتها بحلفائها، وستكون لمصلحة أي شخص يريد إضعاف الديمقراطيات الغربية.

• حكومة حزب العمال ترغب في تحسين العلاقات مع الجيران «المستائين» قدر الإمكان، وليس إشعال الخلاف من جديد.

ويليام هيغ وزير بريطاني سابق

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق