نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تحولت الى "وصولات اكل"...الشيكات تفقد مكانتها التاريخية - عرب بريس, اليوم الاثنين 3 فبراير 2025 02:28 مساءً
نشر في الشروق يوم 03 - 02 - 2025
تدخل اليوم الاثنين 3 فيفري 2025 رسميا، المنصة الإلكترونية الموحدة للشيكات حيز النفاذ لتتحول الشيكات الى مجرد وصولات دفع شبيهة الى حد كبير ب "وصولات الاكل"، مما أفقدها مكانتها التاريخية كوسيلة التعامل المالي الأولى في تونس طيلة عقود.
ويأتي افتتاح المنصة وسط بوادر ارتباك واضح للمنظومة الاقتصادية عامة، باعتبار عدم جاهزية عدد من البنوك لمنظومة القانون الجديد للشيكات وذلك في ظل وجود اخلالات فنية يمكن ان يحدثها تسقيف الشيكات إضافة الى عدم تحصل فئات واسعة من المتعاملين الاقتصاديين على الشيكات الجديدة مع غياب أي إجراءات مرافقة او بدائل تمويلية على غرار بطاقات الدفع المؤجل على عكس ما أكدته عدة جهات.
ضربة موجعة لمنظومة الاستهلاك والنمو
تعد المنصة الإلكترونية الموحدة للشيكات، حسب ما صرّح به اليوم الاثنين رئيس قطب الدفوعات والتداول النقدي والفروع بالبنك المركزي التونسي محمد صدراوي في ندوة صحفية عقدها البنك، بمناسبة الإطلاق الرسمي للمنصة، رافعة للرقي بمنظومة الدفع في سياق ملاءمتها للتحول الاقتصادي وتطلعات حرفاء البنوك.
وشدّد صدراوي على ضرورة أن تكون منظومة الدفع ملائمة للتحول الاقتصادي وتطلعات الحرفاء مبيّنا أن الشيك يحتل مكانة محورية في عملية الدفع حيث يمثل 34 بالمائة من عدد عمليات المقاصة الالكترونية و54 بالمائة على مستوى المبلغ مضيفا أن المنصة الرقمية ستمكن من التثبت من صاحب الشيك والرصيد وحجزه مما سيمنح عقلا وترشيدا في استعمال الشيك والتقليل من ظاهرة الشيك دون رصيد.
غير ان المسؤول لم يتطرق الى إجراءات مرافقة المتعاملين الاقتصاديين في إطار التعامل بالصيغة الجديدة للشيكات، من جهة وإلى مصير ثلثي التونسيين المقصين من المنظومة المالية بحكم عدم امتلاكهم لحسابات بنكية او بريدية، من جهة أخرى.
هذا ورغم أنّ للقانون الجديد للشيكات بعض الإيجابيات، على غرار التخفيف في مسالة تجريم إصدارها عند غياب الرصيد، فان العُقوبة السجنية لم تلغ وهو أمر مناف لنجاح أي إصلاح اقتصادي بالقوانين الزجرية التي تتضمن عقوبات. كما ان اعتماد المنظومة الجديدة للشيكات يفتقر الى إجراءات وقائية فعلية وذلك إضافة الى توقع احداثها لتعطيل واسع للتجارة وعديد الأنشطة الاقتصادية خاصة القطاعات الموجهة للسوق المحلية بمعنى تلك التي لها علاقة مباشرة بالاستهلاك والمستهلك.
ومن المؤكد أنّ يتّم اكتشاف نقائص القانون الجديد للشيكات خصوصا على مستوى ركود الاستهلاك، وحتى الندم على إقراره، في غُضون أشهر أو سنة على اقصى تقدير من دُخُوله حيّز النفاذ.
ويعد الاستهلاك، بشقيه العام والخاص، رافدا أساسيا للنمو في البلاد حيث يمثل حوالي 94 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي علما انه لم يتم القيام باي اختبار ضغط على متغيرات الاقتصاد لقياس تأثير القانون الجديد للشيكات على الدورة التجارية، في الوقت الذي تصل فيه قيمة الشيكات المتداولة سنويا الى نحو 130 مليار دينار نصفها على الأقل مؤجل الدفع لأغراض التعامل التجاري، في حين لا تتجاوز نسبة الشيكات المرتجعة 2 بالمائة من إجمالي قيمة التعاملات.
هذا ويتضمن القانون الجديد للشيكات، عدة نقائص وذلك بالأساس من الناحية التطبيقية، باعتبار مخالفة بعض بنوده لعدة مبادئ قانونية، اذ لا يعلم تحديدا ان كان الشيك سيصبح سندا لأمر أو ورقة تجارية، بمقتضى فصول القانون الجديد، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول قيمته المالية والقانونية الفعلية، في المستقبل. ومن ناحية محاسبية بحتة، فانه من الوارد بشكل واضح ان ينجر عن دخول قانون الشيكات الجديد شفط حوالي نصف التعاملات بهذه الأوراق المالية مما يعني تسجيل نقص في الأموال المتداولة للمؤسسات بما لا يقل عن 60 مليار دينار وهو ما يمثل حوالي ثلث القيمة الاقتصادية المضافة للبلاد سنويا.
الشيك يدخل في غيبوبة
حسب القانون الجديد للشيكات، فإن البنوك سوف تحدد سقفا للشيك، كما أن أجله لن يتجاوز 6 أشهر فقط، وذلك بالتوازي مع تحديد قيمة 5 آلاف دينار للشيك غير مجرمة، أما فوق ال 5 آلاف دينار، يصبح الشيك دون رصيد، وتسلط سنتين سجنا على الساحب المخالف. ولكن من الناحية التطبيقية، وبعد دخول القانون الجديد للشيكات حيز التنفيذ، فإن الشيك سوف يدخل في غيبوبة، وفي حالة ضعف وهوان، باعتبار أن البنوك سوف لن توفر شيكات لمختلف المتعاملين، وسوف تحدد أسقفا ضعيفة لها تعيق تداولها، مما سيؤثر على الدورة الاقتصادية في ظل عدم توفر الشيكات وهو ما أصبح واضحا للعيان منذ مدة.
في جانب اخر، فإن القانون الجديد للشيكات، ولئن يعد هاما، من حيث التعديل الانتقالي، للتخفيف من التجريم، ولكن المسالة تثير الحاجة إلى إصلاحات تشريعية عميقة وشاملة لهياكل التمويل، من جهة ولمنظومات استعمال وسائل الدفع، من جهة اخرى، وذلك لمزيد دعم المؤسسات سيما منها الصغرى والمتوسطة، من حيث القروض، والإعفاءات في القروض، والتخفيف من الفوائض، والحساب الجاري.
في المقابل، لا توجد أي إجراءات في هذا الصدد لإلغاء التجريم للشيك بصفة نهائية، أو لإيجاد حلول بديلة أخرى، من أجل تحريك الدورة الاقتصادية، باعتبار أن البلاد في حاجة إلى إصلاحات تشريعية هامة، تماشيا مع المرحلة الجديدة التي تعيشها.
وتعد من ناحية أخرى تدخلات رئيس الجمهورية، في عدة مناسبات خلال لقاءاته مع أعضاء الحكومة، جد إيجابية، في إطار دعوته إلى ضرورة الدخول في مرحلة الإصلاحات التشريعية الهامة التي تحتاجها البلاد في جميع المجالات، وخاصة منها الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطنين في منوال التنمية خطط تطوير الاقتصاد.
هذا وسجلت التعاملات المالية باعتماد الشيك خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الفارط في البلاد تراجعا مقابل صعود في التعويل على وسائل الدفع الأخرى، بالتزامن مع بدء تطبيق قانون الشيك الجديد الذي أقرته السلطات في جويلية الماضي.
تغير المؤشرات
أبرزت بيانات أصدرها مؤخرا البنك المركزي التونسي، تحت عنوان "الدفوعات بالأرقام" أن استعمال الشيك في انحسار، حيث تراجعت عمليات الدفع عبر الشيك، بينما شهدت تلك العمليات ارتفاعاً كبيراً في قيمتها.
ومع نهاية الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي أصدر التونسيون 18.5 مليون شيك، بانخفاض بنسبة 1% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، بينما سجل إجمالي تلك المعاملات قيمة تقدر بنحو 95.6 مليار دينار، وهو ما مثل ارتفاعا في القيمة المالية بنسبة 6.5 بالمائة.
وفي المقابل، سجل البنك المركزي التونسي خلال ذات الفترة نموا طفيفا في استعمال "الكمبيالة" بنسبة 0.7 بالمائة، حيث جرى إصدار 1.3 مليون كمبيالة، بقيمة 25 مليار دينار. وتُعتبر الكمبيالة أداة أساسية لتسهيل التعاملات التجارية كوثيقة مالية، كونها تحمل التزاماً مكتوباً بدفع مبلغ محدد، في وقت محدد، لصاحب الكمبيالة، غير ان الاقبال على تداولها يبقى محدودا لأسباب إجرائية وعملية مختلفة.
وتجدر الإشارة إلى ان إقرار اعتماد منصة الشيكات الجديدة دون إعادة النظر في دور الكمبيالة كوسيلة خلاص موثقة، وإيجاد حلول للشيكات المؤجلة الموجودة في محافظ المؤسسات التجارية والمالية، لضمان استخلاصها بعد دخول المنصة الإلكترونية للتعامل بالشيكات حيز العمل.
كما أن سن القانون الجديد للشيكات جرى دون تيسير النفاذ للتمويل البنكي وتطوير النقديات ومنظومة تأمين البيع مؤجل الدفع في سياق يفرض على القطاع البنكي مزيد المساهمة في تطوير أنظمة دفع مؤجلة جديدة عبر بطاقات ائتمان الدفع الميسر، بما يحد من تأثيرات كبح استعمال الشيك على الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد.
إسقاط مبادرة "انقاذ الموقف"
حاول أعضاء من مجلس نواب الشعب إيجاد صيغة قانونية لتأجيل تنفيذ أحكام القانون الذي يمنع استخدام الشيك كوسيلة دفع مؤجلة، تجنباً لركود اقتصادي متوقع، وذلك قبل أيام من بدء العمل بإجراءات جديدة تحول الشيك إلى وسيلة دفع آنية، ولكن جهودهم باءت بالفشل حيث تم رفض مقترحهم من قبل مكتب المجلس المنعقد الخميس 30 جانفي الفارط، الذي أسقط مقترح تنقيح القانون شكلا، نظرا لعدم استيفائه الشروط الدستورية وهي أن يكون مقدما من 10 نواب على الأقل بعد سحب عدد من النواب لتواقيعهم في سياق غير مفهوم.
وكانت مجموعة من النواب قد أعلنت عن تقديم مبادرة تشريعية تقضي بتأجيل تنفيذ أحكام قانون الشيك لمدة سنة، في إطار فترة انتقالية لأقلمة السوق مع مقتضيات استخدام الشيك في صيغته الجديدة. وفي اوت الماضي، صادق مجلس نواب الشعب على تنقيح أحكام المجلة التجارية المتعلقة بتجريم إصدار الشيك دون رصيد، بعد أشهر من المناقشات والجدل حول مطالب إلغاء العقوبة السجنية لمصدري الشيكات دون رصيد كاف.
وبموجب هذا التنقيح، أُلغي تجريم إصدار الشيك دون رصيد إذا كانت قيمته أقل من خمسة آلاف دينار. كما تضمن القانون إرساء منصة إلكترونية للتعامل بالشيك، تتيح للمستفيد التثبت الفوري والمجاني من الرصيد المتوفر لتغطية مبلغ الشيك لدى البنك.
وبدأت بنوك اليوم تنفيذ إجراءات جديدة للاستعمال الرقمي للشيك عبر إطلاق منصة رقمية للتثبت من كفاية الأرصدة، تطبيقاً لفصول القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ منذ اوت الماضي. ويوم الأربعاء 29 جانفي الفارط، أوقفت البنوك قبول وسحب الشيكات القديمة، أيام معدودة قبل اعتماد المنصة الرقمية الخاصة بالمعاملات.
تتيح المنصة الرقمية للمستفيد التحقق من كفاية الرصيد البنكي لمصدر الشيك، مع إمكانية إشعار البنك بطلب حجز المبلغ المضمن بالشيك مباشرة.
وكان النائب عصام شوشان قد أكد ان الهدف من تقديم مبادرة تشريعية لتأجيل تطبيق القانون الجديد هو تمكين المتعاملين الاقتصاديين من التكيف مع صيغ الدفع الجديدة، تجنبًا لانكماش اقتصادي طويل الأمد. وأوضح أن التسرع في توقيف العمل بالشيكات سيؤدي إلى تداعيات سلبية على الإيرادات الجبائية للدولة بسبب الانكماش الاقتصادي المتوقع، إلى جانب تضخم الكتلة النقدية وتوسع نشاط السوق الموازية.
وأشار شوشان إلى أن نحو 30% من المعاملات التجارية تعتمد على الشيك كوسيلة دفع مؤجلة، مطالباً الجهاز البنكي بتوفير بدائل للدفع المؤجل.
هذا ومن المنتظر أن يحدث تطبيق القانون الجديد صدمة في السوق التونسية، تتبعها مرحلة انكماش وتراجع في النمو الاقتصادي، وسط امكانية ظهور النتائج السلبية بحلول نهاية الربع الأول من العام الجاري علما أن البلاد تفتقر إلى الاندماج المالي الشامل، حيث لا تتعدى نسبة المواطنين المشمولين بالخدمات المالية 40%، مقارنة ب90% في الدول التي نجحت في إنهاء التعامل بالشيك.
ويبقى نجاح أي مبادرة تشريعية مرتبطا بتهيئة السوق بشكل جيد للتعامل بوسائل دفع آمنة. ويهيئ ضعف الاندماج المالي الأرضية للتعاملات المالية المحفوفة بالمخاطر، مثل إصدار الشيكات أو الاقتراض من مسالك غير قانونية.
.
0 تعليق