الأم الصامدة «نشمية»: أصحاب الهمم نعمة وجنة في البيوت - عرب بريس

0 تعليق ارسل طباعة

رحلة مؤثرة بطلتها الإماراتية، نشمية الفيلي، التي استطاعت تحويل معاناة ابنتها مع متلازمة «كورنيليا دي لانج» النادرة، إلى قصة ملهمة للأمهات من حولها، بما تفوقت في تكريسه من عزيمة لا تقهر على تجاوز «شبح الموت» الذي هدد ابنتها، وتحويله إلى «منارات أمل» تنشر الوعي، وتبث الحياة في قلوب أهالي أصحاب الهمم، بالاستناد على خبرتها الطويلة وتجربتها الصعبة مع ابنتها التي دعمتها بشهادات معتمدة ودورات تدريبية متخصصة، وسّعت أفق أحلامها الكبيرة بخدمة المجتمع، في الوقت الذي لم تتخل فيه عن شغفها المتأصل بالفن الذي وظّفته ليكون مرآة وجع ابنتها ورسالة أمومتها الصامدة.

وتوقفت (نشمية) - التي حازت شهادة الأم المثالية لأصحاب الهمم - في مستهل حوارها مع «الإمارات اليوم» عند قصة معاناة (مزنة) منذ ولادتها في الولايات المتحدة عام 1997، مستذكرة تفاصيل لحظة إخبارها وهي على سرير الولادة، بأعراض إصابة الصغيرة بمتلازمة «كورنيليا دي لانج»، وإشارة الطبيب لها آنذاك، بأن عُمر (مزنة) قصير، إذ تراوح حياة هذه الفئة بين ثلاث و10 سنوات على أكثر تقدير، لمعاناتهم مشكلات عديدة في الهضم، ونوبات متتالية من الصرع وصعوبات في التنفس والنمو.

ووصفت هذه المرحلة بأنها «كانت فترة عصيبة بالنسبة لي، توليت خلالها رعاية ابنتي بكل ما أملك من صبر ومحبة وقدرة على تحمل المسؤولية والبحث عن الحلول الطبية الناجعة لمشكلاتها الصحية. والحمد لله، تحتفل اليوم ابنتي بعامها الـ27، لتقطع أشواطاً كبيرة في رحلة العلاج، وتقترب أكثر إلى الحياة شبه الطبيعية»، مستعيدة تلك الدقائق التي تراها الأصعب في حياتها حين أخبرها الطبيب بأن الابنة لن تعيش سوى سنوات معدودة، لكنها ردت عليه بثقة: «العمر بإيد الله».

تجاوز التحديات

وأضافت (نشمية): «أعتقد أن تجربة رعاية (مزنة)، والمعاناة الطويلة التي مرت بها، قد تعلمت منهما دروساً إنسانية عظيمة في العطاء والرحمة، وساعدتاني - بشكل أو بآخر - في الانفتاح على الآخرين، والتعلم والرغبة في مساعدتهم بالاستناد على ما مرت به ابنتي من أزمات صحية وسلوكية، استطعت تجاوزها بكثير من الصبر ورباطة الجأش والأمل في المستقبل».

وبتفاؤل، وابتسامة خارجة من قلب الأم الكبير، توجّه (نشمية) رسائل أمل إلى كل أمّ وأب وأخ وأخت، وأفراد كل عائلة يدخل في حياتهم طفل من أصحاب الهمم: «هؤلاء نعمة من الله، وجنة موجودة في بيوتكم، فتجربتي مع ابنتي مرت بالكثير من المحطات، في البداية كانت الصدمة ثم كانت الآلام والتحديات، وتحول الأمر إلى ضحكة وفرحة وصداقات أمهات.. أما النهاية فجميلة، إذ حصلت على شهادات تكريم، ومرت 27 عاماً على ابنتي، وأشعر أنها مجرد أيام، ونعيش بسعادة»، متابعة بضحكة تفيض بالحنان: «ما ينقص فقط هو أن أزوج (مزنة)».

مشاركات واسعة

إلى جانب تكريسها معظم وقتها واهتمامها بابنتها، تجد (نشمية)، الوقت الكافي لتكريس اهتمامها بأنشطة وفعاليات تخدم أصحاب الهمم وأهلهم، مثل عضويتها في مركز «اقرأ واستمتع»، موضحة أن المركز يختص بتسليط الضوء على مساعدة أهالي أصحاب الهمم، وتقديم الدعم لهم في مجالات الاستدامة والتعليم والبيئة والطفولة، وذلك من خلال تقديم ورش حضورية أو تفاعلية عبر الفضاء الرقمي، إضافة إلى تقديم الاستشارات في مجالات الدعم النفسي والسلوكي». وتابعت: «سعيت إلى مجال التدريب والتخصص في مجال أصحاب الهمم، من منطلق دراستي الأكاديمية ونيلي دبلوم التربية الخاصة من الجامعة الأميركية والتعليم السعودي، في عام 2023، سبقها تخرجي في كلية التقنية العليا، بإدارة الأعمال بعام 1995، ونيلي في 2020 شهادة تدريب معتمدة من مركز التقنية العربية للتدريب السعودي، وشهادة البورد الألماني، في تدريب المدربين في 2020».

كما نجحت (نشمية) في تكريس حضورها عضواً في جمعية الإمارات للأمراض النادرة، التي تعرفت من خلالها إلى مجتمع تواصل نسائي معنيّ بنفس مرض ابنتها (مزنة)، فيما تمكنت من التواصل مع مجتمع أمهات عربيات لأبطال متلازمة «كورنيليا دي لانج» من مختلف أنحاء العالم.

واستطردت حول هذه التجربة الرائدة: «تعرفت من خلال هذا الحيز المجتمعي والإنساني الفريد إلى تجارب الكثيرات من الأمهات المحاربات اللاتي خضت معهن نقاشات ثرية عدة حول موضوعات نفسية، واجتماعية، وطبية متنوعة، تعاني منها الأمهات بشكل خاص والأسر بشكل عام، وتطرح فيها مسائل (التنمر) بقوة، لتعكس أحد أكبر التحديات التي تواجه أهالي هذه الفئة بشكل دائم».

وأكملت (أم مزنة): «فتحت لي مجتمعات التواصل عبر (واتس أب) الباب واسعاً للمشاركة في الندوات والحلقات الخاصة التي تُعنى بهذا الجانب المهم في حياة أهالي وأمهات أصحاب الهمم، وكان أبرزها المشاركة في الجلسة التفاعلية التي أقامتها جمعية الإمارات للأمراض النادرة في (إكسبو أصحاب الهمم 2024)، حول تحديات السفر والسياحة لأصحاب الهمم، كما قدمت بحثاً علمياً خاصاً في مؤتمر (كوب 28) حول تأثير التلوث البيئي على الأجنة».

وقفة مع الإبداع

كما توقفت نشمية الفيلي عند تجربتها مع الكتابة الأدبية، ومشاركتها في كتاب «نساء ملهمات»، ثم طرحها مجموعة قصصية قدمت العام الماضي في معرض الشارقة الدولي للكتاب، علاوة على تجارب قصصية أخرى ستصدر عن دور نشر خاصة قريباً، وذلك بالتوازي مع تجربتها كفنانة تشكيلية، استطاعت ترجمة معاناة ابنتها بلغة الإبداع، وصولاً إلى عرض لوحاتها في معارض بكلية التقنية للبنات، وفي معرض الصيد والفروسية 2024 الذي دخلته لتروي قصص وجع ابنتها من بوابة منصة «الأستاد آرت غاليري».

وقالت: «من خلال علب الأدوية الفارغة، قدمت عملاً فنياً لفت انتباه الجميع إلى عوالم هذه الفئة الخاصة من المجتمع، كما لفتت انتباه الفنان محمد الأستاد الذي قام مشكوراً بعرض أربع من لوحاتي، من بينها (أنين وسط عاصفة عشوائية) التي نفذتها بعلب أدوية ابنتي الفارغة، ولوحة (عقد على جدار الزمن) التي نفذت بوصفات أدويتها، ولوحة (صراع الروح) التي وظفت فيها شَعر ابنتي الذي قص بسبب المرض، وصولاً إلى الصورة الفوتوغرافية الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة عدسة (قيض الفجيرة) حول مراحل جني الرطب 2023».

وأعربت الأم (نشمية) عن امتنانها الكبير لموقف الفنان التشكيلي الإماراتي محمد الأستاد الذي تأثر بتجربتها الإنسانية والفنية، وتقديرها اللامتناهي له لمساعدتها أولاً على عرض أعمالها، الذي اعتبرته رسالة إنسانية سامية، تؤكد على اهتمام الفنان الإماراتي بدعم أمومة أصحاب الهمم، ونشر التوعية بضرورة دمجهم في النسيج الاجتماعي بالإمارات.


سجل إنجازات

يحفل سجل الإماراتية، نشمية الفيلي، بالعديد من شهادات التقدير والإنجازات، بداية من نيلها شهادة تقدير لمشاركتها في مؤتمر الأمراض النادرة 2018، وشهادة الأم المثالية لأصحاب الهمم، وصولاً إلى درع تقديرية من جمعية الإمارات للأمراض النادرة عن مشاركتها في «إكسبو أصحاب الهمم 2024»، ومشاركتها في «الكونغرس العالمي الأول للأمراض النادرة»، الذي تضيفه (نشمية) إلى شهادة في تجريب المدربين من البورد الألماني، ونشاطها الفاعل في تقديم عدد من المحاضرات المختصة في مجال الإعاقة، وعضويتها في جمعية الأمراض النادرة، ومركز «اقرأ واستمتع» - قسم دعم أهالي أصحاب الهمم.

إلى جانب ذلك، حظيت (نشمية) أخيراً بشهادة تكريم من الأكاديمية الألمانية الدولية، بوصفها الشخصية الأكثر تأثيراً وتميزاً في 2024 عن دورها الفاعل في مجال الأنشطة والإرشاد الاجتماعي في مجال الإعاقة، كما شاركت مع 70 كاتباً عربياً وضعوا خبراتهم في الفنون الإدارية في كتاب «الإدارة تليق بك» بمقال «الإدارة الوقائية لإنجاب طفل صحي».

متلازمة نادرة  

متلازمة «كورنيليا دي لانج» اضطراب بالنمو يؤثر في أجزاء كثيرة من الجسم، وتختلف سمات هذا المرض النادر بشكل كبير بين المصابين به، وتراوح بين الخفيفة نسبياً والشديدة.

نشمية الفيلي:

• «العمر بإيد الله»، هكذا كان ردي على طبيب أخبرني بأن «مزنة» لن تعيش طويلاً.. وها نحن نحتفل بعامها الـ27.

• تجربة رعاية «مزنة»، والمعاناة التي مرت بها، تعلمت منهما دروساً عظيمة في العطاء والرحمة.

• تعرفت إلى الكثيرات من الأمهات المحاربات، وخضت معهن نقاشات حول أصحاب الهمم.

• 1997 العام الذي ولدت فيه «مزنة» المصابة بالمتلازمة النادرة.

• بتفاؤلٍ، توجّه «نشمية» رسائل أمل إلى كل أمّ وأب وأخ وأخت، وأفراد كل عائلة يدخل في حياتهم طفل من هذه الفئة.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share
فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق