يقف مستقبل الاقتصاد السوري، شأنه شأن مستقبل البلاد عموماً، على مفترق طرق. الاقتصاد يتلمس مسار الدور المنوط به في مرحلة جديدة، على أمل انتشاله مما لحق به جراء الأزمة المستمرة منذ العام 2011.
ولعل تحديد نمط أو هوية هذا الاقتصاد، يبدو حاجة ملحة وسؤالاً يبحث عن إجابة مقنعة، بعد أن أخذت الأوساط الاقتصادية المحلية تتداول أحاديث، حول احتمالية تبني نمط الاقتصاد الحر، الذي قد يسرّع اندماج الاقتصاد المحلي بنظيراته الإقليمية والعالمية، بعدما استمر طوال عقود معتمداً نمط الاقتصاد الاشتراكي والدولة الراعية بمسميات متعددة آخرها «اقتصاد السوق الاجتماعي»، فهل التوجه نحو الاقتصاد الحر ممكناً، فضلاً عن كونه مبرراً ومجدياً؟
تاريخياً، لنقل بعد استقلال سوريا في العام 1946، كان الاقتصاد حراً، فالليرة السورية الصادرة، آنذاك، عما كان يعرف بـ(مصرف سوريا ولبنان)، أصبحت من أقوى العملات، وفاقت عملة المستعمِر الفرنسي، حتى ارتفع معدل التحويل إلى ليرة سورية واحدة = 54.35 فرنك، وأكثر من دولارين أمريكيين، وبقي الحال كذلك حتى العام 1961.
ومنذ أزمة 2011، تراجعت الليرة السورية، على نحو دراماتيكي من 50 ليرة للدولار الواحد، إلى أكثر من 20 ألفاً، قبل أن تتحسن قليلاً مع المتغيرات الجديدة، إلى أقل من 12 ألفاً.
في موازاة ذلك عرفت البلاد سوق الأوراق المالية في أربعينات وخمسينات القرن الفائت بأقل من 10 شركات يمكن أن نسميها- تجاوزاً- مدرجة، إذ اختصت بالدرجة الأولى في أنشطة الصيرفة والصناعات الغذائية والنسيج والورق والأخشاب، واشتهرت هذه السوق في الأوساط الاقتصادية باسم «سوق البورص»، والتي كانت تتفرع عن سوق الحميدية في دمشق، وتضم محالاً للصرافة، يجتمع فيه تجار دمشق لمعرفة حركة البورصة العالمية والمحلية، قبل أن ينتهي الحال إلى التأميم في عهد حكومة الوحدة بين مصر وسورية، والذي طال المصارف والشركات الكبرى.
نعود للطرح المتعلق بهوية الاقتصاد السوري، وهنا تتصدر جملة أسئلة من قبيل: ما الهوية التي سيعتمدها هذا الاقتصاد، وما النمط الأنسب له، وماذا عن تبعات وارتدادات ذلك كله على المواطنين السوريين، لا سيما الشرائح الهشة اقتصادياً، وما هي فرص النجاح لاقتصاد يخرج لتوه من أزمة طاحنة شلّت الموارد والإنتاج، وأتت على الأخضر واليابس؟
بداية، لا بد من توضيح، بأن الاقتصاد السوري يواجه معضلة إعادة إعمار عسيرة ومكلفة، بالرغم من تفاوت تقديرات كلفة هذا الإعمار، التي قد تتجاوز التريليون دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي.
تبنى الاقتصاد، منذ عام 2006، نهجاً جديداً قائماً على «اقتصاد السوق الاجتماعي»، بدءاً من خطته الخمسية العاشرة 2006 - 2010، ما يعني أنه لم يعد اشتراكياً مُخططاً، وفقاً لما ورد في دستور 1969. تجدر الإشارة، إلى أن سورية نفذت عشر خطط خمسية متعاقبة، لكن الحكومات لم توفق باستثمار سوى 15 - 20% من ثروات البلاد.
الإدارة الانتقالية، أبلغت غرف التجارة والصناعة مؤخراً، رغبتها بأن تتبنى البلاد نموذج السوق الحرة القائمة على التنافسية، لتسريع إدماج البلاد في الاقتصاد العالمي، ما يعني تحولاً كبيراً، يبتعد عن سيطرة الدولة على الاقتصاد، فهل نحن على أعتاب اقتصاد حر، وما نتائج وعواقب هذا التحول؟
قد يكون هذا التحول المباغت صعب التحقيق، وهناك وجهة نظر أنه يمكن الوصول إليه مرحلياً وبالتدرج.. فيزيائياً، يصبح المعدن هشّاً، حال انتقاله من درجات سخونة عالية إلى برودة مفاجئة، بل لا بد من تعريضه لتبريد متدرج وبطيء، هو تماماً ما سيعانيه الاقتصاد والناس في سوريا، عند التحول من اقتصاد مخطط (شبه اشتراكي)، إلى آخر حر طليق اليديــن اقتصادياً واجتماعياً، لماذا وكيف؟
ينهش التضخم جيوب السوريين، متبوعاً بتراجع القوة الشرائية، ويستمر الناتج المحلي الإجمالي بالانكماش، في وقت تزداد فيه سماكة شرائح الفقر تحت جلد الاقتصاد السوري، وتتجاوز البطالة معدلات قياسية، في موازاة توقف عجلة الإنتاج، ودمار البنية التحتية (الخدمية والإنتاجية)، إلى غير ذلك من أزمات.
وهذا يتطلب توفير شبكات أمان اجتماعي، ومعالجة أزمة البطالة والفقر، وإعادة استصلاح واسترجاع رأس المال البشري، حيث ينتشر نحو 14 مليون سوري منذ العام 2011، في جهات المسكونة الأربع، تزيد قوة العمل بينهم على 60%، لا سيما عند الحديث عن الكوادر المدربة وذات الكفاءة، ففي ألمانيا وحدها يعمل 22 ألف طبيب سوري (5700 منهم لا يحملون الجنسية الألمانية)، فضلاً عن رجال الأعمال والحرفيين وغيرهم من الفئات المنتجة والفتية.
في موازاة ذلك كله، على أي حكومة جديدة أن تضع وتعمل على خطط قريبة وطويلة الأمد، لإنعاش البلاد، التي يبدو أنها باتت تحتاج معجزة ربما تتخطى بتأثيراتها ونتائجها مشروع مارشال الشهير في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يتطلب تشجيع الحرية الاقتصادية، وابتعادها عن منافسة المنتجين، فمهمة الدولة تأمين البيئة التشريعية والإنتاجية، وترك الإنتاج للقطاع الخاص، فهي «ربُّ عمل فاشل»، كما يقول بعض الاقتصاديين.
كذلك، لا بد من التركيز على الزراعة (في سورية 92 مليون شجرة زيتون) والصناعات التحويلية، والثروة الحيوانية (كان لدى سورية عام 2010 قرابة 17 مليون رأس من الغنم)، كما يجب ضبط المعابر، وتنشيط السياحة، وإعادة تأهيل القطاع المصرفي الخدمي، وجذب دعم الأشقاء العرب والاستثمارات المختلفة، خصوصاً السورية الموجودة في الخارج، وكذلك من الدول الشقيقة والصديقة حول العالم.
ختاماً، يمكن الإشارة إلى أن استثمارات واحتياطيات سوريا قبل العام 2011 كانت في حدود 18.5 مليار دولار، شكّل الذهب 12% منها، وهو ما يصل إلى 25.8 طن.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق