نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«الترامبية» ونهاية العولمة الليبرالية! - عرب بريس, اليوم الأحد 19 يناير 2025 09:37 مساءً
تشهد الولايات المتحدة خلال ساعات قليلة أداء رئيسها السابع والأربعين، دونالد ترامب، اليمين الدستورية خلفا للرئيس السابق جو باين. والسؤال الملح من المراقبين للسياسة الأمريكية: ما هي الأيديولوجية التي سيقدمها ترامب للولايات المتحدة والعالم؟ .
هناك مؤشرات حول نزعة ترامبية "جذابة " ومتطرفة في طور البلورة، لكنّ الأكيد أن أيديولوجية العولمة الليبرالية القديمة انتهت كما أن التعددية القطبية تتراجع. ويرى عدد من فلاسفة العلوم السياسية والإنسانية أن وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض بمثابة نقطة انعطاف، ليس فقط بالنسبة لمستقبل الديمقراطية الأميركية، بل أيضا بالنسبة لمستقبل الغرب والكوكب.
أهم ملامح الترامبية رفض العولمة بشكل قاطع، أي التفكير على نطاق البشرية جمعاء كسوق واحدة ومساحة ثقافية متنوعة ومشتركة. كما ترفض نقل السلطات القطرية إلى سلطة فوق وطنية كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي أو كما يتحدث عنها كلاوس شواب وبيل غيتس وجورج سوروس في شكل "حكومة عالمية" تتولى إعادة الضبط الكبرى ((Great Reset، ويصبح جميع الناس على وجه الأرض مواطنين للعالم (كوزموبوليتانيين) يتلقون حقوقًا متساوية في سياق بيئة اقتصادية وتكنولوجية وثقافية واجتماعية وبيئية واحدة.
وتصر الترامبية في المقابل على الحفاظ على الدول القومية أو دمجها في الحضارة الغربية لكن هذه المرة تحت زعامة الولايات المتحدة وبرعاية الترامبية نفسها وليست العولمة الليبرالية. والنتيجة المترتبة عن ذلك هي رفض الأجندة الخضراء واتفاقية باريس للمناخ واتفاقيات التجارة تحت رعاية منظمة التجارة العالمية وكذلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة. كما تناهض الترامبية سياسات النوع الاجتماعي والنسوية ما يعني استعادة الرجال دورهم المركزي في المجتمع. ومن هنا يطلق على الترامبية "ثورة الرجال"، بل إن العودة لحضارة الرجل الأبيض سمة مميزة لدى فئة من الترامبيين المتطرفين. وفي هذا السياق يمكن أيضا فهم موقف الترامبية ضد المهاجرين والمطالبة بترحيلهم وإلزام المهاجرين القدماء بهوية وطنية وقيم ثقافية غربية موحدة. وهذا على عكس الدعوة للتعددية الثقافية من طرف الليبرالية.
ويبدي أنصار الترامبية قلقا من الخلل في التوازن العرقي، كما يحدث في ولايات بأكملها بها غالبية لاتينية وغالبية عربية وإسلامية. كما أنهم رافضون لنشاط الصينيين ويطالبون بالاستيلاء على الأراضي ووسائل الإنتاج التي يمتلكونها في الولايات الأمريكية.
ويقف وراء دعم الأيديولوجية الترامبية شبكة من المليارديرات، ومراكز الفكر، وجماعات الضغط التي تؤمن بضرورة تدمير الديمقراطية. ومن الواضح أن الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية، في سياق الأزمة العالمية المتصاعدة التي تدفع معدلات التضخم إلى الارتفاع الصاروخي، غذت الترامبية. يضاف إلى ذلك الحرب الروسية على أوكرانيا وقطع الغرب صادرات النفط والغاز الروسية عن الأسواق العالمية، وما نتج عنه من ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم في الولايات المتحدة وزعزعة الديمقراطيات الغربية.
ويبدو أن الانحدار الهائل في عائدات الطاقة من الوقود الأحفوري وراء هذه الأزمة البنيوية الطويلة الأمد في النظام المالي العالمي. وفي حين يرى الديمقراطيون أن الحل يكمن في محاولة الحفاظ على النظام السائد مع بعض الإصلاحات فإن الترامبية والحركة اليمينية المتطرفة التي تقف وراءها تريد الحفاظ على ملكية أقلية ونخبة للموارد وتعمل على هدم وإعادة هندسة الهياكل التنظيمية السياسية الليبرالية حاليا. وهي بذلك تريد استبدال هذه الهياكل بأنظمة استبدادية جديدة قادرة على إدارتها بطريقة يمكن أن يهيمن عليها بشكل أكثر فعالية فصيل محدد من أصحاب المصالح في الصناعات الاستخراجية، والأتمتة، وتكنولوجيا المعلومات والدواء. وتشكل مفاهيم مثل الديمقراطية وتوزيع الرخاء على العالم من بين أكبر العقبات التي تعترض هذه الرؤية التي يبدو أن العديد من مليارديرات التكنولوجيا في وادي السليكون يؤمنون بها.
ومن الملاحظ أن الفيلسوف الروسي ومساعد بوتين ألكسندر دوغين أطلق على الترامبية "البوتينية الأمريكية". وكتب مقالا بعد فوز ترامب، قال فيه: «يمكننا الجزم بثقة إن البوتينية انتصرت في الولايات المتحدة، وسوف ينسى الجمهوريون الحرب الأوكرانية مؤقتا أو بشكل دائم كما إن أنصار العولمة خسروا معركتهم النهائية».
وبمتابعة مراكز صنع السياسات العامة (Think Tank) التي تقف وراء نشر ما يسمى الأيديولوجية البوتينية والترامبية، يُلاحظ أن "مؤسسة التراث" الأمريكية تعمل في شراكة رسمية مع معهد الدانوب الأوروبي، وهو معهد بحثي مؤيد لروسيا ومقره بودابست، بتمويل من حكومة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. وقد شهدت المنظمتان تعاونا وطيدا وتبادلا للأفكار، ويشكلان الآن جسرا عبر الأطلسي بين اليمين المتطرف الجمهوري ومجموعات الضغط المؤيدة لبوتين التابعة لأوربان والمتمددة في أوروبا.
فهل نشهد اصطفافا عالميا في وجه الترامبية لوضع ضوابط للحد من توسيع الأطماع الأمريكية أم نشهد على العكس من ذلك هرولة لتقديم أوراق الاعتماد لترامب ومهادنة الترامبية؟!
0 تعليق