نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فراق برّي وجنبلاط يترسّخ: نهاية حقبة سياسية - عرب بريس, اليوم الثلاثاء 14 يناير 2025 11:44 صباحاً
لم تكن علاقة رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع النائب السابق وليد جنبلاط عادية او عابرة يوماً. نشأت منذ عقود في زمن الحرب اللبنانية، ومرّت بصعوبات كبيرة، ابرزها المواجهة بين حركة امل و الحزب التقدمي الاشتراكي في احداث بيروت، قبل ان تتثبّت مع مرور السنوات حلفاً متيناً غير قابل للإنفصال.
كان بري وجنبلاط اقرب الحلفاء لدمشق، لغاية تسلّم بشار الاسد الرئاسة السورية عام 2000، فإبتعدا تدريجياً عن الشام، نتيجة عدم انسجامهما مع الحُكم السوري الوريث، لكن الزعيم الدرزي قرر مواجهة الاسد على طريقته، بينما آثر الزعيم الشيعي الصمت البنّاء، رغم التصدّع الذي اصاب علاقته بدمشق.
لم يقبل كلٌ من بري وجنبلاط ان ينكسر احدهما سياسياً. كان رئيس حركة امل يعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حليفه الرئيسي، ويبرر له ابتعاده السياسي المؤقت عنه ما بعد عام 2005، عبر مقولته الشهيرة: وليد جنبلاط لا يضيّع البوصلة. كأن الرجلين ربطا مصيرهما السياسي ببعضه البعض، وهو ما خلّف لكل منهما خصومات سياسية في كل اتجاه.
واذا كان جنبلاط اورث نجله تيمور قيادة الحزب والمقعد النيابي في الشوف، فلم ينجح، رغم محاولاته المستمرة، لا في فرض ادائه السياسي عليه، ولا في إقناعه بالتموضعات السياسية الداخلية. لا يعود السبب كون تيمور غير راض عن البقاء تحت عباءة الاب السياسية، بل بفعل قراءته للمتغيرات الحاصلة في لبنان والاقليم والعالم.
يلمس الإبن الوريث ان الشباب الدرزي لم يعد هو ذاته التقليدي المُلتزم بتعاليم المختارة من دون معارضة او نقاش، ولا يمكن ضبطه في حال عدم تفهّم مطالبه، ومجاراته سياسياً. ما كان مكرّساً في العقود الماضية، لم يعد موجوداً حالياً. وهو ما ظهر بعد ثورة 17 تشرين 2019، حيث وجد الشباب الدروز انفسهم معنيين بالانتفاضة ضد المنظومة التي يُعتبر جنبلاط احد أركانها، بمواكبة زعيمهم الجديد تيمور جنبلاط.
يعود السبب الرئيسي إلى التعاليم الاشتراكية الثورية، المكرّسة في خطاب منظمة الشباب التقدمي ومسار "المعلم كمال جنبلاط" مؤسّس الحزب. كان وليد جنبلاط قادراً على دوزنة الإيقاع بين أحلام الاشتراكيين اليساريين الناشئين، و بين انسجام الدروز في النظام اللبناني الطائفي، لكن تيمور لم يستخدم الانضباط تحت سقف التحالفات الجنبلاطية، بل اعطى الاولوية للتقدمية الاشتراكية، وللمتغيرات المجتمعية التي تتجاوز الحدود.
لذلك، تُصاب تحالفات والده التقليدية بإهتزازات إلى حد الانفصال. وهو ما حصل اخيراً بتخلي جنبلاط عن تسمية حليفه ميقاتي، رغم العلاقات القوية الشخصية بين الرجلين، والخدمات التي قدمتها حكومة ميقاتي للمختارة. وفي اللحظة التاريخية الحسّاسة، لم يقف وليد جنبلاط عند خاطر حليفه الأقرب بري بشأن هذه التسمية. وقبل ذلك بأيام كان "اللقاء الديمقراطي" اول من سمّى قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، من دون اكتراث ايضاً برأي عين التينة.
بالطبع ليست هي المرة الاولى التي تختلف فيها مقاربات الحليفين، بفعل ضغوط او تدخلات او تمنيات خارجية، لكن طبيعة الاحداث تفرض قراءة البُعد الآخر لإبتعاد جنبلاط عن حليفه بري في توقيت مفصلي، وتوحي ليس بتفرّق الحليفين، بقدر ما تؤكد وجود بداية نهاية حقبة سياسية استمرّت لعقود.
0 تعليق